السبت، يوليو 10، 2010

تنمية عجيبة


بقلم : عبد المجيد التجدادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

… و يحكى أنه في بلد من بلدان التِيه و التيَهان ، كان هناك مسؤول كبير يمسك بأزمة السلطان ، اتخذ له سنة سنوية لا ينقطع عنها مهما كان ، كان يداوم على زيارة بلدان الشمال و العمّ سام ، يرفه فيها عن نفسه من كل ما على نفسه ران ، و يجدد الصلة بالأحبة العُجمان ، ينهل من عندهم كل ما كَبُر في عينه و زان ، لِيُغير ما في
بلده مما رأت عينه من الأدران .


كان من المشاغل العظمى التي أخذت بتلابيب فكر مسئولنا و هَوَّنت عليه ما دونه من هموم السكان ، أن طبيعة بلدان الشمال جميلة خلابة بما فيه من الخضرة و المياه في كل مكان ، و بلدته كما هو معلوم عند القاصي و الدان ، لا ترى فيها غير الرقوق و العروق تتخللها واحات في بعض الأحيان .


هذا العام أنعم الله علينا بالغيث ، ففاضت الأودية و حييت الأرض و ازدانت الجِنان ، و الكل يلهج بحمد الله أهل الثناء و الجود و الإحسان ، نحمده على ما خفف عنا من طول السنوات العجاف رغم ما في ميزان حسناتنا من النقصان ، و كثرة ما نتجرأ عليه بارتكاب المعاصي التي تشيب لهولها الولدان ؛ رحمته تعالى وسعت كل شيء إنه الرحيم الرحمان … و الحمد لله على كل حال ..، فقد ألفنا جميعا أن الجفاف هو مزية مثل هذه البلدان ، و القناعة بالأعطية و الصبرُ على القضاء و القدر من شِيَم أهل الإيمان .


في هذا العام السمين جمع المسؤول بطانته لمشروعه العظيم : القول قولي و قد رأيت فيه النفع العميم ، لجميع السكان ومن سيخلفهم من الأبناء و الحفدة إلى يوم الدين ؛ نبني سدا يجمع مياه هذه الشعاب ، فتكون بذلك بحيرة تحفها حديقة تشد بجمالها الألباب ، فأرى بلدتي كما كنت أرى بلاد العجمان الأصحاب ، و هل من شيء يستحق أن يوصف بالجمال غير ما هو في عينهم جذاب !!..


بادره خبير من بطانته الكل في المَجْمَع منه في ارتياب ، و هو عندهم لكل جديدٍ حديثٍ الصّخابُ العيّابُ ، يشير عليه بكلمات تقطر شفقة و رحمة على أمر العباد : إن لبلدان الشمال أجواؤها الخاصة أيها الأحباب ، و المطر هناك غزير قليلا ما يخلف الميعاد ، أما عندنا فغيث هذا العام في الدوام كذاب ، و الأصل عندنا هو الجفاف و الجفاف لا شك لآمالكم خيّاب ، و البحيرة لا شك أن أمرها يسير إلى زوال و ذهاب ؛ و الماء عندنا أجمل من غيره مما عند غيرنا من الأصحاب ، الماء عندنا كنز لا بد يوما ننوح عليه بما أسرفنا من قلة الحساب .


فأجاب المسؤول خبيرنا بكثير من العتاب : تفاءل خبيرنا و يكفيك ما أنت فيه من شديد سواد الحساب ..؛ اشرعوا جميعا بكل اجتهاد فما أرى هو الحق و الصواب . و استخف قومه فأطاعوه بلا شك و لا ارتياب .


… و تعبأت الأطر و الأموال و الأراضي و الصفقات ، و دشنت على التو أهم الإنجازات ، فالآن أصبح بمقدور البلدة أن تضاهي البلدان الإفرنجيات ، الخضرة عندنا و عندكم لا فرق بيننا و بينكم و تلك هي نعم المساواة ؛ خطونا على خطوكم و سترون أننا نصير من الدول المتقدمات .


مر العام و البحيرة عامرة بالماء و الخضرة الناظرة ، و الكل في البلدة يلهج بالذكر ما أعظمها من بادرة !.. و برقيات التهاني و التبريك تصل تترى تبعث النشوة في نفوس الجهات الرسمية .


… و جاء العام الذي ألفت مثله الساكنة ، ندرة القطر و الجفاف ذاك ما تؤكده دائما الروايات المنسية .


اجتمع جَمْع المسؤول على عجل لمدارسة قضية في غاية الأهمية : ماء البحيرة يقل و لون الحديقة يصفر مؤذنا بقرب المنية ، فعجلوا هل من حل لإبقاء هذه المزية ، و انقاد سمعة البلدة من أية شماتة و رزية .


… و انفض الجَمْع على حل صفقوا له جميعا غير ذاك الشاذ العيَّاب صاحب الحسابات السوداوية . قالوا : نحفر بئرا في عالية البحيرة نجهزها بمضخة كهربائية ، و نضخ بها الماء العذب من الفرشاة المائية الباطنية ، فتحيى من جديد بحيرتنا و تخضر الحديقة البهية … لَكَأنّها فكرة نيرة عبقرية نالت تصفيقا حارا شديدا هز بقوته أركان القاعة الرسمية .


… عام بعد عام ، و جفاف بعد جفاف و المضخة تضخ المياه الباطنية ..، و رسالات الشكوى و طلبات النجدة تتراكم على مكتب الإدارة العَلِيَّة ، ترجو و تطلب جرعات الماء بعدما نضبت الآبار و جفت العيون المرعية ، فالكارثة لا محالة تحل بالناس ما لم تتداركهم رحمة الله من هذه البلية …


… و تستمر سُنَّة مسؤولنا السنوية في زيارة بلدان العجمان ، ينهل من عندهم مجددا كل ما كبر في عينه و زان ، ليغير ما في بلده مما رأت عينه من الأدران ..، و تستمر حالة المضخة و السكان على ما كان … و الأيام المقبلات تبشر بخيرات عميمة أكثر مما كان ، تنعم بها كل الأجيال إلى آخر الزمان .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ــ فكرة المقالة مستوحاة من واقعة حقيقية شهدتها إحدى البلدات المنسية في إطار تنمية مستدامة عجيبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق