الجمعة، مارس 02، 2012

حكومة الحكامة


بقلم : عبد المجيد التجدادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقدمت وزارة النقل و التجهيز في شخص وزيرها حامل لواء المصباح السيد رباح على سابقة في تاريخ الإدارة المغربية ، حيث عمل كما سبق له أن وعد على كشف لائحة بأسماء المستفيدين من رخص النقل ( الحافلات فقط ) ما بين المدن . هذه البادرة الطيبة تندرج ضمن شعار حكومة ابن كيران في الحكامة و الشفافية … لقد
غابت عن اللائحة سيارات الأجرة على اعتبار أنها من اختصاص وزارة الداخلية ؛ غير أن هذه العملية لوحدها كانت كافية لاستفزاز مشاعر الكثير من المغاربة و هز عروش تلك الأسماء المنتفعة بتلك الرخص .
كان من المدهش فعلا أن نجد أسماء معينة كنا نظنها أقرب إلى التعفف على الخوض في هذا الميدان ، أسماء كان لها في فترة معينة صيت وطني : مثل الأبطال الرياضيين نوال المتوكل التي سبق لها الاستوزار ، و بعض لاعبي كرة القدم … ناهيك عن شخصيات سياسية أخرى أو ورثتهم تؤكد حالتهم قبح و فضاعة زواج السفاح الحاصل بين السلطة و الثروة ..؛ و أن الذين كنا نعول عليهم لكي يخدموا الشعب المغربي من خلال وظائفهم في السلطة قد خذلوا الشعب فيما عوّل و استغلوا وظائفهم في الإدارة العمومية لقضاء مصالحهم الشخصية ..؛ و بالتالي فإن قيمة النزاهة كانت شبه غائبة في التدبير السابق للشأن العام .
غير أن أشد ما يستفز هو ورود أسماء شخصيات معينة كان عليها من منطلق التحوط لدينها تجنب الخوض في مثل هذا الماء الآسن . فمن بين الأسماء التي تستثيرنا نجد اسم العلامة الفقيه الشيخ عبد الباري الزمزمي الغني عن التعريف ، و الذي كان نائبا برلمانيا عن حزب النهضة و الفضيلة ؛ غير أن هذه الإثارة كان يمكنها أن تخفت لولا رد فعل الفقيه الزمزمي بحسب ما نقلته صحيفة هسبريس . لقد بدا بأن الفقيه الزمزمي كان منزعجا من كشف اسمه ضمن تلك اللائحة ، كأننا به لربما حاك في نفسه شيء من ذاك الذي يحيك في قلب المؤمن و لو أفتاه الناس و أفتوه ، شيء مما يخاف أن يطلع عليه الناس ، و هذا ما يتبين من خلال تصريحه حيث قال : << إن هذه العملية ماذا وراءها ؟ فهؤلاء الناس قاموا بعمل عابث >> ، ثم مباشرة انطلق في هجوم على وزراء المصباح من خلال إصدار حكم على نواياهم ــ الله وحده وكيل بها ــ بأنهم متملقون ، قال الشيخ عبد الباري الزمزمي غفر الله لنا و له << أنا أرى بأن هذه الحكومة ومنذ وصولها لمقاعد الحكم ، و هم يتملقون الجمهور بأمور إشهارية لإثارة العواطف ، فهذا يسوق سيارته بنفسه ، و هذا لا يزال مقيما في بيته القديم ، و هذا يصلي في مسجد حيه ... يعني أنهم اعتبروا أنفسهم ملائكة نزلوا من السماء ، فالشعب لا ينتظر منهم هذا ، فالشعب ينتظر منهم الإصلاح ، و ليس أن يجلس هذا في داره أو يمشي للفران ، فهذا لا يخدم الشعب >> ، ثم في إطار الحكم عليهم بالتملق يضيف الشيخ الزمزمي قائلا : << إن الغرض كله هو الإثارة فقط ، و أن عملية الكشف عن الرخص هي من أجل الإثارة تملقا للجمهور و إرضاؤه بأمور تافهة >> .
الشيخ الجليل ، و من منطلق موقعه العلمي و الأخلاقي و الديني العظيم في المجتمع كان عليه أن يكون من أول المساندين لجهود وزراء المصباح للكشف عن جحور العفن التي تفسد عمل الإدارة المغربية و من تم تطهيرُُها ..، كان عليه أن يشجعهم على قربهم من الشعب و سلوكاتهم التي تذكره هو قبل غيره بسير الصالحين من حكام هذه الأمة الذين لم تكن بينهم و بين رعاياهم حُجُب .
الشيخ الزمزمي غفر الله لنا و له في تبريره لحصوله على رخصة النقل قال : << منذ 30 سنة و أنا أحث الجمهور في الوعظ و الدعوة و المحاضرات .. فمنذ ثلاثين سنة أو تزيد ، و الخدمة التي قدمتها هي أهم من الرياضة و من الأعمال الأخرى التي يقدمها الآخرون .. فكل واحد يقدم للبلاد خدمة حسب موقعه و اختصاصه >> ، و بعيدا عما يمكن استنتاجه من مثل هذا الكلام من أخطاء فادحة يحرق بها عمله العظيم ذاك ، نقول له أن هؤلاء الرجال الذين يتهمهم بالتملق لعلهم حصيلة جهوده العظيمة في الوعظ و الدعوة و المحاضرات ...
نرجو أن يكون هذا الكشف العظيم البداية الفعلية للحكامة الجيدة ، و ننتظر من باقي الوزراء و من جهاز حكومة ابن كيران برمتها أن تكشف عمّا تبقى وفقا لما يشير إليه الشيخ الزمزمي بقوله : << هناك عشرات الرخص التي تُدرُّ الملايين لم يكشفوا عن أسمائها مثل مقالع الرمال و الصيد في أعالي البحار و رخص خاصة بالتسويق و التصدير لم يتكلموا عنها >> .
إننا في الشعب المغربي لا ننتظر المستحيل من حكومة السيد عبد الإله بن كيران . كل ما نرجوه هو أن تعمل بكل حسن نية على تطهير إدارتنا العمومية من كل جحور عفن الفساد ، و تعيد الحق إلى أصحابه ، و أن تضع قواعد عادلة لكي يأخذ كل ذي حق حقه مهما عجزت حيلته و عيي لسانه ...
الحكومة تواجه يوميا امتحانات عسيرة ، نرجو أن تجتازها ــ و بلدنا من خلالها ــ بسلام .
... أمّا إن وجدت الحكومة بأن هناك من يعمل على عرقلة و وقف جهودها في التطهير ، و له من القوة ما يجعلها عاجزة عن الوفاء بما التزمت به للشعب فإننا ندعوها مخلصين إلى تقديم استقالتها فورا و دون أدنى تردد ــ كما سبق أن صرح بذلك ابن كيران نفسه ... حتى لا تكون تجربة الحكومة الجديدة نسخة مكرورة عن تجربة حكومة اليوسفي ( كما يرى البعض ) ، حيث يحرق دعاة النزاهة أوراقهم ، و تخيب أمال الناس فيهم و في دعوة النزاهة نفسها ..، كأنما هذا البلد أهون من أن يرقى إلى قيم النزاهة و الشفافية و الحكامة الجيدة ..؛ و يبقى النصر حليف لوبيات الفساد كما كان منذ ما يزيد عن ستين سنة ..؛ فتضيع أحلام المغاربة في الغد الأفضل لهم ، أو على الأقل لأبنائهم ..، و نفتح على بلدنا أبواب المجهول من جديد ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق