الاثنين، أغسطس 23، 2010

هذه سماحة الإسلام ، فهل من متبع ؟


بقلم : عبد المجيد التجدادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يفلت أعداء الإسلام أو الجاهلون به أية فرصة للنيل منه و من أتباعه ، و من بين تلك الفرص التي يتصيدونها ما قد يقع من اعتداءات ضد بعض الذميين هنا و هناك مقابل ما " يتمتع " به المسلمون في بلاد الغربة من تسامح لا يجدونه حتى في بلدانهم الإسلامية ، خاصة مع العلم أن الكثيرين منهم لاجئون سياسيون فارون
بأنفسهم من أنظمة سياسية استبدادية ، و إلا ، فإن كافة المسلمين الذين في بلاد الغرب مجرد لاجئين سياسيين ، أو اجتماعيين ، أو ثقافيين ...



غير أن الذي يتفحص سيرة الإسلام و المسلمين مع غير المسلمين يجد غير ما يشاع عنه الآن ، و يجد من المواقف ما يثير العجب و يشهد لأمة الإسلام بالخيرية في زمن لم تكن فيه لا هيئة أمم متحدة ، و لا مواثيق دولية تتصنع لها الدول ما قد لا تطيقه حويصلاتها المحلية ، أي في عهد كان فيه التسامح هو الاستثناء ، و كان فيه الاعتداء على المخالف هو القاعدة .



و نعرض فيما يلي لبعض تلك المواقف عل و عسى أن تكون مثالا يحتذى خاصة و أن أكثرها صادر عن النبي محمد صلى الله عليه و سلم المبعوث رحمة للعالمين جميعا ، و أسوة المسلمين جميعا إن أرادوا أن يصدق إسلامهم ... أما ما يشهد به التاريخ بخلاف تلك الصفحات المشرقة الطيبة فلا نعول عليه ، و لا نعتبر مرتكبيه قدوة تصلح للاقتداء ، و حسابهم عند ربهم ..؛ ثم إن النبع الصافي الذي منه ننهل معروف صلى الله عليه و سلم .



ننقل فيما يلي بعض المواقف مما كتبه الدكتور يوسف القرضاوي قائلا :



<< ... و تتجلى هذه السماحة كذلك في معاملة الرسول - صلى الله عليه و سلم - لأهل الكتاب يهودًا كانوا أو نصارى ، فقد كان يزورهم و يكرمهم ، و يحسن إليهم ، و يعود مرضاهم ، و يأخذ منهم و يعطيهم . ذكر ابن إسحق في السيرة : أن وفد نجران ـ و هم من النصارى ـ لما قدموا على الرسول - صلى الله عليه و سلم ـ بالمدينة ، دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم ، فقاموا يصلون في مسجده ، فأراد الناس منعهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - : " دعوهم " فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم . وعقب المجتهد ابن القيم على هذه القصة في (الهدي النبوي) فذكر مما فيها من الفقه : (جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين ، و تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين ، و في مساجدهم أيضًا ، إذا كان ذلك عارضًا ، و لا يمكنون من اعتياد ذلك ) .



و روى أبو عبيد في (الأموال) عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود ، فهي تُجْرَى عليهم .



(...) و روى البخاري أيضًا : " أن النبي صلى الله عليه و سلم توفي و درعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله " ، و قد كان في وُسعه صلى الله عليه و سلم أن يستقرض من أصحابه ، و ما كانوا لِيَضِنُّوا عليه بشيء ، و لكنه أراد أن يُعَلِّم أمته . و قبل النبي صلى الله عليه و سلم الهدايا من غير المسلمين ، و استعان في سلمه و حربه بغير المسلمين ، حيث ضمن ولاءهم له ، و لم يخش منهم شرًا و لا كيدًا .



(...) ( و ) عمر يأمر بصرف معاش دائم ليهودي وعياله من بيت مال المسلمين ، ثم يقول : قال الله تعالى : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ " (سورة التوبة ـ 60) و هذا من مساكين أهل الكتاب .



و يمر في رحلته إلى الشام بقوم مجذومين من النصارى فيأمر بمساعدة اجتماعية لهم من بيت مال المسلمين (...) .



و عبد الله بن عمرو يوصي غلامه أن يعطي جاره اليهودي من الأُضحية ، و يكرر الوصية مرة بعد مرة ، حتى دهش الغلام ، و سأله عن سر هذه العناية بجار يهودي ؟ قال ابن عمرو : إن النبي صلي الله عليه و سلم قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " . و ماتت أم الحارث بن أبي ربيعه و هي نصرانية ، فشيعها أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم . و كان بعض أجلاء التابعين يعطون نصيبًا من صدقة الفطر لرهبان النصارى و لا يرون في ذلك حرجًا . بل ذهب بعضهم ـ كعكرمة وابن سيرين و الزهري ـ إلى جواز إعطائهم من الزكاة نفسها . و روى ابن أبي شيبة عم جابر بن زيد : أنه سُئل عن الصدقة فيمن توضع ؟ فقال : في أهل ملتكم من المسلمين ، و أهل ذمتهم...) ... >> ( أنظر : ثقافة التسامح عند المسلمين للدكتور يوسف القرضاوي ) .



ثم ننقل مما كتبه الأستاذ أحمد بن محمد الشرقاوي :



<< ... و روى أبو داود في السنن عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ، عن آبائهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال : " ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ فأنا حجيجه ( أي أنا الذي أخاصمه و أحاجه ) يوم القيامة " .



عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، و إن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما " .



(...) و حين مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشيخ من أهل الذمة يقف على الأبواب يسأل الناس قال : ما أنصفناك أن كنا أخذنا المال في شبيبتك و ضيعناك في شيبك ثم أجرى عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه .



و حين اشتكت إليه امرأة قبطية من عمرو بن العاص الذي ضم بيتها إلى المسجد ، أرسل إليه عمرو و سأله عن ذلك ، فقال : " إن المسجد ضاق بالمسلمين و لم أجد بُدّا من ضم البيوت المحيطة بالمسجد و عرضت على هذه المرأة ثمنا باهظا فأبت أن تأخذه فادخرته لها في بيت المال و انتزعت ملكيتها مراعاة للمصلحة العامة " . لكن الفاروق عمر أمره بأن يهدم هذا الجزء الذي للمسجد و يعيد بناءه كما كان لصاحبته .



(...) و من الصفحات المضيئة في تاريخنا الإسلامي ما ورد أن الصحابة لما دخلوا حمص و فرضوا على أهلها الجزية فجاءهم أمر من أبي عبيدة بن الجراح بمغادرة حمص للانضمام إلى جيش المسلمين حيث مواجهة الروم في اليرموك أعادوا إلى أهل حمص ما أخذوه ؛ و قالوا : " إنا أخذناه في مقابل الدفاع عنكم ، أمّا و قد خرجنا فقد أصبحنا غير قادرين على حمايتكم فلزم رد ما أخذناه منكم " . فعجب لذلك أهل حمص أشد العجب و تمنوا لهم النصر على عدوهم ... >> ( أنظر : صور من سماحة الإسلام للأستاذ أحمد بن محمد الشرقاوي ) .



فهذه شواهد مشرقة للرحمة و الخيرية ، فهلا اتبعنا هؤلاء الأخيار في حسن سيرتهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق