الاثنين، يناير 31، 2022

من أجل بديل لمذكرة "البستنة"

من أجل بديل لمذكرة "البستنة"

 

عبد المجيد التجدادي

tajdadid@gmail.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في منتصف يناير 2022 ، أصدرت إحدى المؤسسات التعليمية بالمغرب ، من خلال مجلس انضباطي ، قرارا بالتوقيف المؤقت عن الدراسة لتلميذ و الطرد لآخرين عقابا لهم على عمل مشين داخل حرم المؤسسة يخل بنظامها و يمس بحرمتها التربوية التعليمية .

و إن كانت الأفعال التي تستوجب عقد مجالس انضباطية في حق مرتكبيها من التلاميذ لا تكاد تخلو منها مؤسسة تعليمية في ربوع المملكة ، و خاصة منها تلك

الكائنة في الحواضر الكبرى ؛ فإن المثير للانتباه في هذا القرار أنه جاء مخالفا لما تنص عليه المذكرة الوزارية رقم 867/14 الصادرة سنة 2014 في شأن "القرارات التأديبية المتخذة من قبل مجالس الأقسام" ، المعروفة عند عموم أطر التربية و التعليم تهكما بـ"مذكرة البستنة" !

في تلك المؤسسة العريقة بمدينة مكناس ، لا يُتصور أن أعضاء ذلك المجلس الانضباطي يجهلون بمضمون المذكرة الوزارية المشار إليها ، و لا يتصور أنهم يجهلون أنهم بقراراتهم تلك يدخلون في تحدي مع الوزارة الوصية على القطاع ، و أنهم بين فينة و أخرى ينتظرون بلاغا صحفيا (أو أمرا شفهيا) من المديرية أو الأكاديمية يلغيها و يضعهم في حرج مع مجموع تلاميذ مؤسستهم (1).

و لكنه ، على ما يبدو ، تحدي اجبروا على اقتحامه و خوضه تعبيرا منهم على مدى غضبهم من الوضع الذي آلت إليه مؤسستهم في ظل "مذكرة البستنة" التي لا تستطيع إطارة ذبابة من على خذ .

جاء في محضر المجلس الانضباطي أنه في قراره ذاك يستحضر "المصلحة الفضلى للمؤسسة" ؛ و هذه إشارة دقيقة منه يقابل شعار "المصلحة الفضلى للتلميذ" الذي ترفعه الوزارة !.. و إن كنا نرى أن لا اختلاف بينهما : فالمصلحة الفضلى للتلميذ تقتضي توفير مناخ دراسي مناسب للتربية و التعليم داخل المؤسسة التعليمية يسوده النظام و الانضباط و الهدوء ، و تغيب فيه كل أشكال الشغب و الفوضى ، و تسير فيه العملية التعليمية التعلمية و العمل التربوي عموما بالسلاسة المطلوبة .

لقد جاء هذا القرار الشجاع من المجلس الانضباطي في تقديرنا لتحريك المياه الراكدة الآسنة ، و وضع "مذكرة البستنة" في الواجهة بعدما أفسدت من حيث ظنت أنها تريد الإصلاح . قرار المجلس صرخة مدوية غيورة يتردد صداها في الكثير من المؤسسات التعليمية بالمغرب لمراجعة تلك المذكرة "غير الموفقة" .

و في هذا الشأن ، و نحن نتفق على مبدأ حق التعلم ، كما نتفق على فكرة العقوبات البديلة في إطار أن العمل التربوي يتعالى عن مبدأ الانتقام و يميل دوما إلى مبدأ الإصلاح و التهذيب ؛ فإن هذا يجب أن يكون خارج حدود الإطار الضيق الذي رسمته المذكرة المشار إليها . هذه المذكرة استنفذت الغرض منها و لم تعد تصلح لشيء ، و أصبحت متجاوزة بدليل قرار المجلس الانضباطي هذا الذي أعطى إشارة للرغبة في الخروج عنها (و التمرد عليها) ... و نحن نقول هذا من واقع ميدان ممارسة العمل التربوي التعليمي .

إن واقع الكثير من الأسر المغربية يعكس تماما وضعية "الأمَةِ التي تلد ربَّتها" . فقد أصبحت للأولاد "سلطة" على أوليائهم و يفرضون عليهم رغباتهم ؛ و دليل هذا حالةُ العجز و الاستسلام التي نلمسها صارخة فيهم عند كل استدعاء لهم إلى المدرسة للوقوف على مخالفات أولادهم . هذا العجز ينعكس بدوره على أداء المدرسة نفسها ، حيث إنها لا يمكنها أداء رسالتها بدون تعاون فعال و إيجابي من قبل الأولياء . لهذا يجد الأساتذة أنفسهم في الساحة منفردين وحيدين في مواجهة نوع من التلاميذ خرجوا عن طوع أوليائهم ، و يحقرون كل ما له صلة بالاحترام و القواعد و الآداب و النظام و الانضباط (2) ؛ فلا تنفع معهم لا دفاتر تتبع ، و لا لجان يقظة و إنصات و لا "مذكرة بستنة" .

و إن كنا نتفق على أن الواقع الصعب للكثير من الأسر المغربية (في ظل تحولات المجتمع المغربي) يمكن أن ينتج هذه العينة من التلاميذ ، فإنه لا يجب أن يحجب عنا هذا حقيقة أن السلوك نفسه يسري إلى باقي التلاميذ (حتى العاديين منهم) بعامل العدوى الذي تنتجه رفقة جماعة المدرسة ؛ فتأثر التلميذ بجماعته المدرسية أقوى من غيرها . و إلا ، فإنه إذا قرر الخروج عن تأثيرها ، فسيواجه بالإقصاء و وابل من النعوت السيئة و الاحتقار أو حتى التنمر و الاعتداء (و من يستطيع هذا منهم ، و خاصة فئة المراهقين الذين لا يجدون معنى لذواتهم إلا وسط جماعتهم و من خلالها ؟!) .

في هذا الإطار ، و من منطلق النقد البناء في هذا الشأن ، و لتجاوز الإطار الضيق الذي رسمته "مذكرة البستنة" ، و رغبة في تحسين المناخ التربوي للمدرسة العمومية المغربية ، فإننا نقترح البديل التالي :

ــ إحداث مؤسسات تربوية استثنائية (مؤسسة واحدة على صعيد  كل جهة على أقصى تقدير) ، داخلية 100 % ، غير مختلطة ، ذات نظام أقرب للشبه العسكري (أشبه بالمؤسسات الإصلاحية التي يحال عليها القاصرون الجانحون من قبل القضاء) ؛ توكل مهمة تسييرها لإدارة تجمع بين ما هو أمني و تربوي تعليمي و صحي . مَهَمتها استقبال التلاميذ المراهقين (تلاميذ الثانوي الإعدادي و الثانوي التأهيلي) الذين قهروا أولياءهم  و عجزت المدرسة العادية عن احتوائهم و تقويم سلوكاتهم .

و توكل مهمة اتخاذ القرار في إرسال التلاميذ المستهدفين إلى تلك المؤسسات التربوية الاستثنائية مجالس أقسام المؤسسات التعليمية العادية . ينقل إليها هؤلاء المستهدفون بمعرفة وزارة الداخلية ، و يجبرون على قضاء مدة معينة فيها ؛ يتابعون دراستهم بشكل عادي ، و يتلقون فيها ما يلزم من رعاية تربوية و نفسية تؤهلهم للعودة إلى المسار الطبيعي و العادي للدراسة بعد أن تتأكد استجابتهم لهذا الإجراء التربوي الاستثنائي . و لعل إخراج هؤلاء من المسار العادي للدراسة (و حرمانهم من امتيازاته بشكل مؤقت) إلى هذا المسار الاستثنائي المشدد ، من شأنه (و هذا هو المأمول) أن يحسسهم بقبح و سخافة سلوكاتهم الطائشة ، و بمدى جرمهم في حق أنفسهم و أوليائهم و زملائهم و أساتذتهم ، و أن يُعدل و يصحح أفكارهم و معتقداتهم و سلوكاتهم و يعيدهم إلى جادة الصواب ..؛ و من شأنه كذلك أن يحسن حتى من مستواهم الدراسي و يفتح لهم آفاق مستقبلية أرحب دراسيا و مهنيا و اجتماعيا .

إن إحداث تلك المؤسسات التربوية الاستثنائية ، و وضع مثل هذا القرار بيد مجلس القسم (3) ، و معرفة التلاميذ بذلك ، كفيل بالقضاء على الكثير من الظواهر السلبية التي تعج بها المدرسة المغربية و قتلها في مهدها قبل أن تستشري و تنتقل إلى  الشارع العام . كما أنه كفيل بتخريج مواطنين لا "خردة"(4) . مواطنون يساهمون في بناء وطنهم ، و ليس فوضويين يخربون وطنهم كما هم يخربون الآن مدرستهم . و مجرد التلويح بهذا القرار على سبيل الترهيب يكفي لتحقيق النتيجة المرجوة لدى الغالبية العظمى من العناصر الشاردة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ــ هذا ما وقع فعلا بعد أيام ، حيث إنه صدر بلاغ مرتبك من إدارة المؤسسة يتراجع عن قرارات المجلس الانضباطي ، ثم تلاه بلاغ توضيحي من المديرية لا يقل عنه ارتباكا .

(2) ــ نظن أن الدولة نفسها فطنت إلى هذا المشكل الخطير ، فأحيت لأجل ذلك "الخدمة العسكرية" .

(3) ــ نقترح هنا تمكين مجلس القسم من حق إقرار عقوبات تأديبية تدريجية (أخف حدة) بحسب ما يراه مناسبا مع ضمان حق التلميذ في متابعة دراسته بشكل عادي ، على أن تكون أقصى العقوبات هي الإحالة على تلك المؤسسات التربوية الاستثنائية ، ما يعني أن المؤسسة استنفذت كل جهودها و أن حالة التلميذ المعني و مصلحته و مصلحة مجموع تلاميذ المؤسسة تتطلب ذلك .

(4) ــ بحسب تعبير "الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم" في تقريرها الصادر في يناير 2022 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق