الأحد، ديسمبر 16، 2012

التربية بالتعويد


بقلم : عبد المجيد التجدادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألفنا في أدبياتنا التربوية الحديث عن تزويد التلاميذ بموارد مختلفة معرفية و مهارية و وجدانية ... غير أن الحقيقة التي يكشف عنها العمل التربوي الذي نمارسه على أرض الواقع هي أن كل تلك الموارد بكل تنوعاتها تكاد لا تتجاوز أن
تكون "معارف" جافة تحشى بها أذهان المتعلمين ، و لا يكاد يجاوز بها هؤلاء دفاترهم و أوراق الامتحان ؛ لأن ذلك و بكل بساطة قائم على أسلوب التلقين . هناك الكثير من المعارف و المهارات و القيم المهمة التي نتلقاها في الوسط المدرسي ؛ غير أن المحك الحقيقي لها هو : مدى تأثيرها الإيجابي على سلوكاتنا تقويما و تهذيبا .
العنوان العريض لهذه المسألة هو تلك المفارقة الكبيرة ، و تلك الفجوة و الهوة السحيقة التي تفصل ما بين ما نتلقاه في المدرسة مما يجب فعله و ما نفعله حقيقة في المدرسة نفسها ثم في المجتمع .
و لنعرض فيما يلي مشاهد للتمثيل :
ــ تلميذ يجتاز امتحانا في موضوع النظافة . بعدما أجاب على ورقة التحرير جوابا ممتازا من حيث معارفه حول الموضوع ، رمى بأوراق التسويد جانبا عل أرضية الفصل ثم انصرف دون الشعور بأدنى حرج !..
ــ معلم يعرض على التلاميذ بعضا مما يجب أن يكون عليه المسلم من حسن الخلق من خلال طيب الكلام ..؛ ثم ينهي حصته بسب أحد متعلميه سبا بشعا .
ــ مدير مؤسسة تربوية يخرج من مكتبه ليأمر العون بوضع ملصقات توعوية كبيرة توصل بها للتو من إحدى المنظمات الصحية للتحذير من مخاطر التدخين ، ثم يعود إلى مكتبه بعد أن دس سيجارة بين شفتيه !..
ــ مشرف تربوي يعرض في حزن و عتاب شديدين آخر ما كشفت عنه الأرقام عن كوننا أقل الأمم قراءة و مطالعة بما معدله ست دقائق في السنة ..، ثم هو نفسه بعد حين يعترف ضمنيا بعدم قدرته على حبس نفسه و لو لدقيقة واحدة لأجل مطالعة كتاب .
التلميذ في المشهد الأول لم يتعود على رمي النفايات في المكان الصحيح ؛ و المعلم في المشهد الثاني لا يتحرج من قول كلام السوء لأنه تعود عليه ؛ و المدير في المشهد الثالث غلبته عادة التدخين رغم علمه بمخاطر التدخين ؛ و المشرف التربوي في المشهد الرابع لم يكتسب عادة المطالعة ... هؤلاء جميعا غلبت عاداتهم علمهم و قناعاتهم . و تلك حقيقة نفسية لا يمكن تجاهل تأثيرها القوي في توجيه و تحديد سلوك الناس ؛ و لعل أحد منافذ الشر في المجتمع هي تلك العادات السيئة التي غرست في النفوس منذ سن مبكرة عن قصد و غير قصد ، حتى أصبح مفعولها في الحياة اليومية للمجتمع يتجاوز طاقة أي تقويم سواء أبرفق التربية و التوعية أم بقوة زجر القانون .
إن المؤسسات "التربوية" لا يمكن أن تستكمل و تستوفي دورها التربوي المقدس بمجرد "إعلام" المتعلمين و "إخبارهم" إبراء للذمة بعدد من المعارف و المهارات و القيم ؛ بل وجب عليها أن ترتقي بواجبها التربوي إلى مستوى تربية المتعلمين على ممارسة تلك المعارف و المهارات و القيم في شكل عادات حسنة و ذلك من خلال أسلوب تربوي غاية في الأهمية و الفاعلية ، هو : التربية بالتعويد .
يمكن أن نعرف التربية بالتعويد بأنها تربية تتجاوز التلقين إلى التطبيق و ذلك من خلال الممارسة الفعلية و المتكررة للسلوكات المرغوب في ترسيخها في نفوس المتعلمين ، فتتحول تلك السلوكات مع مرور الزمن و قوة التكرار إلى عادات راسخة تتغلغل و تتحصن في لاوعي الفرد ، بحيث يكاد يستحيل زعزعتها .
على هذا الأساس يمكن أن نقول أن أحد منافذ إصلاح النظام التربوي ببلادنا هو جعل مكان معتبر لـ "التربية بالتعويد" ضمن الأساليب التربوية المتبعة ، و ذلك من خلال جرد و وضع حزمة من السلوكات الحسنة ( تشمل مختلف حاجيات الإنسان) بشكل مفصل ، ثم تشكل لأجل التعويد عليها طقوس منظمة هادفة متكررة في الوسط المدرسي .

هناك تعليقان (2):

  1. بوركت ..لا فُضّ فوك..أتمنى أن يصغي صناع التربية والقائمون عليها إلى هذا.

    ردحذف