السبت، يناير 07، 2012

تعليق مشروع بيداغوجيا الإدماج


بقلم : عبد المجيد التجدادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحدث تنزيل وزارة التربية الوطنية لمشروع بيداغوجيا الإدماج على واقع المؤسسات التعليمية المغربية نقاشا واسعا و حادا في الوسط التعليمي ، حيث تراوحت ردود الفعل ما بين مرحب و متحفظ و رافض . و قد تجاوز صدى هذا النقاش المجالس المغلقة للأطر التربوية العاملة إلى وسائل
الإعلام بمختلف أنواعها . الوزارة نفسها تقر بوجود هذا النقاش ، و تعبر عن رغبتها في رصد مختلف ردود الفعل ؛ ففي الاجتماع الواحد و العشرين للجنة قيادة مشروع بيداغوجيا الإدماج << شددت السيدة كاتبة الدولة [ لطيفة العبيدة ] على ضرورة تسليط الضوء على الدينامية الحية التي خلقها إرساء مشروع بيداغوجيا الإدماج في مؤسسات التعليم الابتدائي و الإعدادي ، و على ردود الفعل التي أثارها حول المكتسبات التي تحققت ، و كذا حول الصعوبات التي اعترضت تطبيقه ، و العمل أيضا على تسليط الضوء على الانتقادات التي وجهت للمشروع سواء تلك التي رحبت به و اعتبرته قيمة مضافة للمنظومة ، أو تلك التي رأت فيه زيادة في ثقل الأعباء و مضيعة و هدرا لوقت التلاميذ .. >> (1) .
و في إطار هذا المسعى الحسن للرّصد ، نقف لحظة للكشف عن موقف الأطر التربوية العاملة من تنزيل مشروع بيداغوجيا الإدماج بالطريقة التي جاءت بها الوزارة الوصية ، و ننوه بداية إلى أهمية هذا الرصد على اعتبار حيوية دور الأطر التربوية العاملة ( و خاصة منهم القائمون على مهمة التدريس ) في نجاح أو فشل هذا المشروع :
ــ فقد قام موقع تربويات (2) بإجراء استطلاع مفتوح لجميع زواره سؤاله : << ما تقييمكم لنتائج بيداغوجيا الإدماج بعد الممارسة في القسم ؟ >> في الموسم الدراسي 2010 ـ 2011 ( و ما يزال إلى حد الساعة مفتوحا ) صوت فيه إلى حدود 9 دجنبر 2011 ما يفوق 11 ألف صوت ، 86,87 % منهم غير راضين على نتائج بيداغوجيا الإدماج : بحيث أن 32,44 % قالوا بضعف نتائجها ، و نصف المصوتين ( 54,43 % ) قالوا بانعدام نتائجها .
ــ و يتعزز هذا الموقف باستطلاع مشابه بموقع دفاتر (3) في تاريخ الموسم الدراسي نفسه ( و ما يزال هو الآخر إلى حد الساعة مفتوحا ) ، المشاركة فيه محصورة في المنخرطين في الموقع فقط سؤاله : << ما رأيك في بيداغوجيا الإدماج ؟ >> ؛ صوّت فيه إلى حدود تاريخ 9 دجنبر 2011 : 1110 صوت ، 91,89 % منهم غير راضين على تطبيق هذه البيداغوجيا ، بل إن نصف المصوتين ( 54,77 % ) يطالبون بإلغائها بالمرة ، في حين أن 24,14 % يطالبون بمراجعتها (4) .
تعبر هذه النسب بقوة عن مدى المأزق الذي يواجهه مشروع بيداغوجيا الإدماج في المغرب ، و المأزق الذي يواجهه البرنامج الاستعجالي ، و المأزق الذي تواجهه كل الموارد المادية و البشرية الهائلة التي رصدت لإنجاز هذا البرنامج و من داخله ذلك المشروع ... الكثير من الأساتذة يعبرون عن تبرمهم من أسابيع الإدماج و التقويم وفق بيداغوجيا الإدماج ( معايير التقويم و المذكرة رقم 204 ) ، كما أن عددا من الفروع النقابية في المغرب أعلنت صراحة مقاطعتها للمشروع تكوينا و ممارسة ؛ و هذا ما تعترف به الوزارة نفسها ــ و لو باحتشام ــ و يبدو أن قناعتها بخصوص تدارك الأمر قد نضجت في اجتماعها المشار إليه أعلاه حيث تم التركيز على ضرورة التواصل مع الأطر التربوية العاملة في الميدان ، فقد أجمع المشاركون على << ضرورة أجرأة المخطط التواصلي بإشراك جميع الفاعلين التربويين ، مع توفير وسائل التواصل اللازمة ، و كذا تفعيل التواصل الاستباقي مع النقابات التعليمية لتصحيح الرؤى و المواقف حول إرساء بيداغوجيا الإدماج بالنظام التربوي >> (1) .
فكرة التواصل هذه التي تقترحها الوزارة لتجاوز ما قد نعبر عنه ببوادر الفشل الذريع للمشروع هي فكرة تأتي متأخرة ، غير أن هذا لا يلغي أهميتها خاصة في هذه الظرفية التي نعيشها و التي يمكن وصفها بأنها مرحلة تخبط حقيقية في النظام التعليمي بالمغرب . لقد كان الأوْلى بحسب المنطق التشاركي أن ينطلق الحوار قبل تنزيل المشروع ، كما كان الأوْلى تقويم التجربة في مؤسسات التجريب قبل الإقدام على تعميمها ..، غير أن الوزارة ، و للأسف ، أبت إلا أن يتم التنزيل بقرار فوقي أحادي يتجاوز الكثير من الأطر التربوية العاملة في الميدان ، و خاصة منها أطر الإرشاد التربوي و أطر التدريس .
لا نريد أن نكون حجرة عثرة أمام نوايا و جهود الإصلاح ، و ما أحوج مدرستنا العمومية إلى نهضة إصلاحية شاملة تخرجها من النفق المظلم الذي وُضعت فيه منذ ما يزيد عن 50 سنة ..؛ و لسنا نريد لأنفسنا أن نكون ــ بحسب ما نتعلمه من التاريخ ــ من تلك الفئة الجامدة الرافضة لأي تجديد كيفما كانت أهميته ... غير أننا و بالمقابل لا نريد لنظامنا التربوي أن يكون حبيس القرارات الفوقية الأحادية الجانب ، التي تكرس الفوضى و العبثية ، و ربما قد تخفي وراءها غابة من المصالح الشخصية الضيقة ..، و تزيد من تدهور المدرسة العمومية و تدفع بها نحو هاوية المجهول .
بيداغوجيا الإدماج من حيث الفكرة ، من حيث المبدأ ، لا أحد يختلف على أهميتها ، كما أنها ليست و لن تكون الوحيدة من حيث الأهمية ... غير أن تنزيلها إطارا منهجيا بالطريقة التي جاءت بها الوزارة يطرح الكثير من المشاكل العملية الإجرائية الميدانية ، لهذا فإننا نرى أن من مصلحة الجميع أن نقف لحظة للتأمل و التفكير نخصصها لما يلي :

ــ أولا : عملية تقويم شاملة و دقيقة للمشروع في المؤسسات التي يتم فيها التجريب ، و نرى بأن يتم التقويم من طرف أطر متخصصة محايدة لا يهمها أن تقنع الناس بهول الموارد الذي أنفقت على المشروع ، و إنما يهمها جدوى المشروع و أفضليته عن غيره .
ــ ثانيا : أن يتم تفعيل مخطط التواصل و الحوار المشار إليه مع جميع الفاعلين التربويين على الساحة ، و لعل ذلك الحوار يكون فرصة أخرى للتقويم و تصحيح ما قد يكون من أخطاء و ثغرات سواء أمن مصممي المشروع أم من الملزَمين بتنزيله ..، أو لربما قد يفضي ذلك المخطط التواصلي إلى الخروج بخلاصة أخرى أفضل من ذلك كله تعود بالنفع على نظامنا التربوي .
و في انتظار أن يتحقق ذلك في إطار الحكومة الجديدة ، و تفاديا لمزيد من النزيف في المال و أعمار الأجيال بمدرستنا العمومية ..، نرجو صادقين أن يتم تعليق مشروع بيداغوجيا الإدماج و كل ما يرتبط به حتى يتحقق الاقتناع الذي يضمن النجاح الحقيقي و ليس الإنجاح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ الإخبارية ، قسم الاتصال ، وزارة التربية الوطنية ، العدد 52 ، 7 شتنبر 2011 .
(2) ــ http://www.tarbawiyat.net/modules.php?name=Surveys&op=results&pollID=17&mode=&order=&thold=
(3) ــ http://www.dafatir.com/vb/showthread.php?t=247685
(4) ــ ننوه هنا إلى مسألة تقنية ، و هي أن استطلاع موقع تربويات يسمح بتكرار التصويت من طرف نفس الشخص ، في حين أن استطلاع موقع دفاتر و على اعتبار حصره في المنخرطين فقط فإنه لا يسمح بتكرار التصويت . و على أية حال ، فإن تقارب النتائج يؤكد التوجه العام غير الراضي على المشروع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق