بقلم : عبد المجيد التجدادي
tajdadid@gmai.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشكل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015ـ2030
التي قدمها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي في حضرة الملك محمد
السادس في ماي 2015 بحسب تصريح رئيس المجلس محمد عزيمان "رؤية قائمة على
مقاربة تشاركية و تشاورية" ، و قال حينها وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار
أن "هذه الرؤية تميز مرحلة جديدة
في مسلسل إصلاح منظومة التربية الوطنية" تؤرخ لتجاوز "مرحلة الميثاق الوطني للتربية
و التكوين" ، مؤكدا أن وزارته نفسها قد شاركت بفعالية في
المشاورات التي أفضت إلى بلورة هذه الرؤية ، و أنها ستحرص على "التفعيل الأمثل" لتوصياتها .
المشاورات التي أفضت إلى بلورة هذه الرؤية ، و أنها ستحرص على "التفعيل الأمثل" لتوصياتها .
غير أن عمل الوزير "المغضوب عليه"
كما يبدو من عدد من قراراته في الشأن التربوي لا يستقيم مع تعهده بـ"التفعيل
الأمثل" لتوصيات المجلس الأعلى في الرؤية الصادرة عنه . هذا ما يتأكد لنا على
الأقل من خلال النظر إلى تلك القرارات بمنظار الرؤية الاستراتيجية في قرارات
الوزير رشيد بلمختار بتعميم البكالوريا الدولية سنة 2014 ، و خلفه محمد حصاد
(المغضوب عليه كذلك) بتجربة المسلك الدولي بالثانوي الإعدادي سنة 2017 ، و ما أقره
عدد من المدراء الجهويين و المدراء الإقليميين بـ"إجبار" جميع التلاميذ
في نفوذهم الترابي على ولوج المسلك الدولي الإعدادي دفعة واحدة. و هنا تتضح لنا
الاختلالات (بحسب تعبير المجلس الأعلى للحسابات في تقريره حول مشروع الحسيمة) التي
وقع فيها كل هؤلاء من خلال قرارتهم الانفرادية و التعسفية .
فالمذكرة الوزارية رقم 133/14 التي أصدرها
الوزير رشيد بمختار بتاريخ 26 شتنبر 2014 لتأطير المسالك الدولية للبكالوريا
المغربية نصت على إرساء المسالك الدولية للبكالوريا المغربية بخيارات لغوية مختلفة
فرنسية و إنجليزية و إسبانية (و الأولوية للفرنسية) مع إمكانية الانفتاح على
خيارات لغوية أخرى . و نصت كذلك على أن تكون لغة تدريس المواد العلمية اللغة
الأجنبية المختارة "تدريسا كليا" . كما تنص المذكرة الإطار هذه
على أن إرساء المسالك الدولية لمختلف الخيارات جهويا يتم بإشراف من مدراء
الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين "بحسب الطلب" .
أما عن المذكرة الوزارية رقم 17ـ 806 التي
أصدرها الوزير محمد حصاد بتاريخ 28 يوليوز 2017 بشأن انطلاق تجربة مسلك دولي
بالثانوي الإعدادي فقد نصت على أن البرنامج التعليمي لهذا المسلك يشمل تدريس
المواد العلمية باللغة الفرنسية ، و يفتح في مؤسسات التعليم الإعدادي "متى
توفر الطلب" ، و يوجه إليه التلاميذ "بناء على طلبهم" .
ثم تختم المذكرة بالدعوة إلى "الانخراط في هذا المسار التربوي الطموح"
.
غير أن المثير للاستغراب و الدهشة هو القرار الانفرادي
التعسفي الذي اتخذه عدد من المدراء الجهويين و الإقليميين بإجبار جميع تلاميذ
الأولى إعدادي على ولوج المسك الدولي للإعدادي دون أي طلب من لدن التلاميذ و
أوليائهم . أليس هذا القرار مخالفا مخالفة صريحة للمذكرات الوزارية السالفة
الذكر ؟ أليس هذا من قبيل التعسف ؟ بل "اختلال" واضح يستوجب التصحيح
العاجل .
غير أن الأدهى و الأمر أن كل هؤلاء جميعا
وزراء و مدراء جهويين و إقليميين يخالفون التوصيات الواردة في نص "الرؤية
الاستراتيجية 2015/2030" القائمة على "مقاربة تشاركية و تشاورية"
، و المُقدمة للوزارة الوصية تحت إشراف خاص من الملك ، و المُتَعَهّد بشأنها "التفعيل
الأمثل" لتوصياتها من لدن الوزير !..
ففي الرافعة الثالثة عشرة المتعلقة
بـ"التمكن من اللغة المدرسة و تنويع لغات التدريس" ، المادة 85 ، تنص
الرؤية على أن "اللغة العربية لغة التدريس الأساس" ؛ غير أنه "يتم
تفعيل مبدأ التناوب اللغوي بالتدرج على أساس تدريس بعض المضامين أو المجزوءات
باللغة الفرنسية" . و قد تكررت نفس التوصية في المادة 86 (ج) الخاصة
بالتعليم الإعدادي و (د) الخاصة بالتعليم الثانوي التأهيلي (مع إضافة الإنجليزية
لتدريس بعض المضامين أو المجزوءات) . و تبقى اللازمة التي تتكرر في نص
وثيقة الاستراتيجية أن اللغة العربية هي "لغة التدريس الأساسية"
سواء أفي الإعدادي أم في الثانوي التأهيلي ..؛ هذا في انسجام على ما يبدو مع الفصل
الخامس من دستور 2011 . و قد ورد في ملحق الرؤية تعريف للتناوب اللغوي كما يلي : "
التناوب اللغوي : خيار تربوي و آلية بيداغوجية يستثمر في التعليم المزدوج
أو المتعدد اللغات ، يروم تنويع لغات التدريس ، و تحسين التحصيل الدراسي فيها عن
طريق التدريس بها ؛ و ذلك بتعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض
المواد باللغة الأجنبية" .
نقتطف هذه الجملة من نص الرؤية الاستراتيجية
: " و ذلك بتعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغة
الأجنبية" . ما نفهمه من هذا النص : أن التناوب اللغوي هو إدراج اللغة
الأجنبية بين الحين و الآخر في المواد المستهدفة مع الإبقاء على "اللغة
العربية لغة التدريس الأساس" في تلك المواد نفسها . و هذا (إن صح فهمنا لنص
الرؤية) يختلف تماما مع نص المذكرة الإطار للمسالك الدولية للبكالوريا المغربية
التي تنص على أن تدريس المواد المستهدفة يكون باللغة الأجنبية "تدريسا
كليا" . فالرؤية حسب ما يُفهم توصي إذن بـ"تدريس جزئي"
باللغة الأجنبية ، و المذكرة الإطار تأمر بـ"تدريس كلي" !...
هذا الاختلاف يمكن أن نتفهمه إذا قارنا بين تاريخ صدور المذكرة الوزارية (سنة
2014) و تاريخ تقديم الرؤية الاستراتيجية (سنة 2015) ؛ غير أن ما نستنكره بشدة أن
يبقى الحال على ما هو عليه فَتُتَجاهل التوصيات ، و لا تفي وزارة التربية الوطنية في
شخص وزريها رشيد بلمختار آنذاك بالتزامها الذي قطعته أمام الملك بـ"التفعيل
الأمثل" لتوصياتها ...
إن توصيات الرؤية الواردة أعلاه بشأن
"الهندسة اللغوية" تفترض أن تبادر وزارة التربية الوطنية بإلغاء مسلك
البكالوريا الدولية في السلكين الإعدادي و الثانوي التأهيلي ، و تبقي على مسلك
واحد يتوج بـ"البكالوريا المغربية القائمة على أساس اللغة العربية" .
فإذا كان الوزير في سنة 2014 قد جاء باجتهاده في هذا الشأن بالمسالك الدولية (مع
ملاحظة أنها لم تحظ برضى جميع مكونات الحكومة بدليل التوبيخ الذي وجهه رئيس
الوزراء حينها عبد الإله بن كيران للوزير رشيد بلمختار أمام جميع المواطنين تحت
قبة البرلمان بعد انفراده باتخاذ هذا القرار ، كما أن الوزير نفسه معروف بجهله
بلغته العربية و ميولاته لفرنسة التعليم المغربي) ؛ فإن تقديم نص الرؤية
الاستراتيجية 2015/2030 ينسخ كل ما سبقها إذا كان يتعارض مع توصياتها . هذا ما
نفهمه من "رؤية قائمة على مقاربة تشاركية و تشاورية" ..؛ و إلا ، فما
الجدوى من هذا المجلس و من رؤيته ؟ !!...
على هذا الأساس ، و حيث إن ما يعرف بالزلزال
السياسي الذي شهده المغرب في شهر أكتوبر2017 بإعفاء عدد من الوزراء و إدانة آخرين
جراء الاختلالات التي تسببوا فيها في مشروع "الحسيمة منارة المتوسط" مما
خلف أثارا سلبية وصلت إلى حد الخطورة في حق السكان المحليين و في حق الدولة نفسها
..؛ فإننا نطالب بزلزال تربوي يستهدف إرجاع قاطرة التربية و التعليم إلى سكتها
الصحيحة القائمة على "المقاربة تشاركية و تشاورية" كما عبرت عنها الرؤية
الاستراتيجية 2015-2030 ، و القطع مع حالات الشد و الجذب التي عاشها و ما يزال
يعيشها هذا القطاع الحيوي منذ الاستقلال .
هذه دعوة صادقة نريد من خلالها ألا نرهن مصير
أجيال أخرى للرغبات و الأهواء الفردية و القرارات التعسفية التي قد يأتي بها هذا
الوزير أو ذاك ... لقد سبق أن اتفق الجميع على أن مسألة التربية و التكوين لا يجب
أن تكون مجالا للتجاذبات السياسية ، بل الواجب أن تنبني على أساس ما يتوافق بشأنه
وطنيا بصفتها مسألة استراتيجية ترهن مصير الأجيال القادمة فترهن مصير مستقبل
المغرب ..؛ و هذا بالذات ما يعطي مشروعية إحداث المجلس الأعلى للتربية و التكوين و
البحث العلمي ...
و رجاؤنا عظيم في الله عز و جل أن يقيض لهذا
القطاع من يعيد القاطرة إلى سكتها الصحيحة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق