و يستمر التخبط في وزارة التربية الوطنية ...
بقلم : عبد المجيد التجدادي
tajdadid@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقدمت العديد من المديريات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية على إجبار جميع تلاميذ الأولى إعدادي على ولوج المسلك الدولي فرنسية ، و بالتالي فإن هذا يعني إعداما تدريجيا للمسار الإعدادي العام ، و منه إعدام البكالوريا العادية (أو بالأحرى : العربية) ، لكي يتخرج جميع التلاميذ ببكالوريا فرنسية ...
و فيما يلي نعرض للملاحظات التالية :
ــ يأتي هذا الإجراء استكمالا للمشروع الذي أطلقه الوزير "المغضوب عليه" "رشيد بلمختار" في إطار جهله بالعربية ، و تنزيل حلمه في فرنسة التعليم المغربي : لهذا فقد أحدث ما يعرف حاليا بالبكالوريا الدولية التي ستكون في معظمها بالفرنسية . و قد وجد في مقترح "التناوب اللغوي" الذي اقترحه المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي في رؤيته الاستراتيجية ضالته التي يركب عليها لدعم مشروعه للفرنسة !...
ــ توصي المذكرة الوزارية بشأن انطلاقة تجربة مسلك دولي بالثانوي الإعدادي الصادرة بتاريخ 28 يوليوز 2017 بأن يتم إدراج هذا المسلك بالإعداديات بشكل تجريبي "متى توفر الطلب و سمحت الإمكانيات" . هذا الشرط لم تلتزم به المديريات المعنية ، حيث إنها باشرت ترحيل التلاميذ إلى المسلك الدولي في موقع مسار بشكل جماعي (جميع تلاميذ الأقاليم المعنية) دون استشارتهم لا هم و لا أولياؤهم ، و دون أية تعبئة تجاه الأساتذة الذين فوجئوا بالقرار ، و دون توفر الكتب المدرسية ذات الصلة (هذا مع العلم أنها من الكتب الذي لم يحدد لها "ثمن للعموم" كما هو معروف في الكتب المدرسية الأخرى ، و هذا يفتح الباب على مصراعيه لاستنزاف جيوب الأولياء) ...
ــ هذا الإجراء الانفرادي جاء بعد مرور أكثر من شهر من انطلاق الدراسة ، و بعدما اقتنى الأولياء الكتب المقررة بحسب ما هو في المسار العادي (أو من خلال المبادرة الملكية لمليون محفظة) ، و بعدما سجل التلاميذ دروسهم على دفاترهم حسب ما هو في المسار العادي ، و منهم من اجتاز فرضه الأول في إطار المسار العادي ... فهل هناك ارتجال أكثر من هذا ؟!!! ، و هل هناك "اختلال" ، على حد تعبير المجلس الأعلى للحسابات ، في العمل التربوي أكثر من هذا ؟!!!
ــ إجرراء سيكون حتما في صالح الوافدين من مؤسسات التعليم الخاص ، و سيجد أبناء المدرسة الابتدائية العمومية أنفسهم متجاوزين لا من حيث المضمون و لا من حيث النتائج و ما وراء النتائج ... فسيكون هؤلاء المساكين سواء أفي محطات التعلم أو في محطات التقويم في مواجهة مشكلة مركبة : فك رموز لغة التدريس من جهة ، و فهم الدرس نفسه من جهة أخرى . أما في التقويم فهم أمام تقويم مزدوج : تقويم في اللغة الفرنسية من جهة و تقويم في مضمون الدرس من جهة أخرى ... و النتائج لا محالة ستكون كارثية أكثر مما سبق !... هذا القرار عنوان بارز للتعسف و عدم تكافؤ الفرص ..؛ فيا للحسرة على مصير أبناء المستضعفين من أبناء المدرسة العمومية مدرسة الفقراء .
ــ الأساتذة واعون تمام الوعي بهذه المعضلة التي تواجههم في عملية التعليم : فأستاذ الرياضيات و أستاذ الفيزياء و أستاذ علوم الحياة و الأرض (على الخصوص) ، هؤلاء جميعا واعون بالمشكل المركب الذي يواجهونه في أداء واجبهم التعليمي ؛ فهم مطالبون من جهة بتعليم اللغة الفرنسية ، و تعليم مادتهم الدراسية من جهة أخرى ... هذا الأمر سيدفع الكثير منهم (إن لم يكن كلهم) إلى استعمال لغة هجينة لا هي بالعربية الفصحى و لا هي بالدارجة و لا هي بالفرنسية : بل هي مسخ لغوي يعرف بـ"العرنسية" ... بهذا نكون قد أجهزنا على اللغة العربية الفصحى و أجهزنا على اللغة الفرنسية كذلك ؛ و عمقنا بذلك من أزمة التعليم في المغرب و رهنا أجيالا أخرى من أبنائنا لتخبطاتنا و قراراتنا العشوائية الارتجالية القائمة على أساس "التعسف" تستحق تقريرا مشابها للتقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات بشأن مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"...
ــ ثم إن اتخاذ هذا القرار يقضي ضمنيا بإعدام البكالوريا "العربية" و تعويضها بالبكالوريا "الفرنسية" ... و عاشت أمهم فرنسا و سحقا سحقا للفصل الخامس من الدستور .
ــ ... و إنه لمما يؤسف له أن تتخذ هذه الإجراءات كلها في ظل حكومة يقودها حزب العدالة و التنمية الذي يقوم مشروعه السياسي على أساس الحفاظ على ثوابت الهوية الوطنية المغربية الأصيلة ضد كل أشكال الاستلاب الخارجي ، و قد "أنب" أمينه العام و رئيس الحكومة السابق الوزير المغضوب عليه رشيد بلمختار على إجراءاته الانفرادية لفرنسة التعليم المغربي ، كان ذلك تحت قبة البرلمان أمام جميع المغاربة ....
ــ ... هذا ما آل إليه التعليم في بلادنا : يستمر الصراع قائما بين أنصار الاستقلالية و العزة الوطنية المغربية و أنصار التبعية و الذلة للأجنبي ..؛ مسار بدأ بمقاومة المغاربة للمستعمر أيام الحماية الاستعمارية و يستمر بمقاومة أيتام المستعمر المتنفذين المغروسين في أوصال الدولة ..؛ و قبل كل هذا مقاومة ثقافة المهزومين في ذواتهم الذين فقدوا الثقة في أنفسهم و في هويتهم فيزيدون من رصيد الآخر الأجنبي على حساب ابن البلد ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق