ملاحظات على الدعم الاجتماعي
في قطاع التربية الوطنية
بقلم : عبد المجيد التجدادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينفق قطاع التربية الوطنية مع شركائه في
الميدان مجهودات مالية و تنظيمية كبيرة في مجال الدعم الاجتماعي للتلاميذ لتيسير
ولوجهم إلى حق التمدرس و لإزاحة ما يمكن إزاحته من معيقات تحول دون ذلك و خاصة في
العالم القروي و هوامش المدن . ليس لدينا المعطيات الرقمية حول حجم ذلك الدعم ،
غير أن الأكيد أنه سيكون هائلا جدا إذا استحضرنا مجموع ما تم إنفاقه
خلال العقود السالفة .
خلال العقود السالفة .
في هذا الإطار ، و رغبة من الوزارة الوصية في
ترشيد نفقات هذا الدعم الاجتماعي ، أصدرت مذكرة وزارية تحت رقم 06×086 بتاريخ 19
أكتوبر 2016 في شأن "تدابير الدعم الاجتماعي لفائدة التلميذات و
التلاميذ" ، تطرقت فيه إلى إجراءات مختلفة تهدف من خلالها إلى ترشيد النفقات
بما يتوافق مع الحاجيات الحقيقية . و قد استهدفت محاور هذه الدعوة : المبادرة
الملكية "مليون محفظة" ، و الداخليات و الإطعام المدرسي ، و النقال
المدرسي و برنامج تيسير. و قد أقرت المذكرة المشار إليها بهول ما يتم إنفاقه قائلة
:" و يجدر التذكير في هذا المجال ، أن خدمات الدعم الاجتماعي لفائدة
التلميذات و التلاميذ تكلف ميزانية الدولة سنويا اعتمادات هامة ، ترصد نسبة منها
لتوفير التغذية و الإطعام بالداخليات و المطاعم المدرسية و لبرنامج تيسير و
للمبادرة الملكية السامية مليون محفظة و للنقل المدرسي بالوسط القروي ، دون اعتبار
نفقات الاستثمار و التجهيز و التسيير و الصيانة ذات الصلة بتلك الخدمات" .
و رغبة منا في تعزيز هذا التوجه نحو ترشيد
النفقات ، نشير إلى الملاحظات التالية من خلال احتكاكنا و معرفتنا بالميدان الذي
يستهدفه هذا الدعم ، راجين من كل الجهات المعنية أن توليها الاهتمام المطلوب ربحا
للوقت و الجهد و المال :
ــ إن عددا من نفقات الإطعام المدرسي و
برنامج تيسير تنفق في غير مكانها الصحيح : فما جدوى الإطعام المدرسي للتلاميذ
الذين يسكنون بجانب المدرسة (الابتدائية) و لا تفصلهم عنها سوى مسافة لا تتجاوز
الكيلومتر الواحد ؟ !!
و نفس الوضع ينطبق على برنامج تيسير الذي هو الآخر لم يعد مجديا أن يستفيد منه
تلاميذ الابتدائي إلا في مناطق محدودة جدا ... و الأوْلى في هذا الشأن أن يركز
برنامج تيسير على تلاميذ السلك الإعدادي و أن يصرف ما يتم إنفاقه حاليا على تلاميذ
الابتدائي على توسيع الطاقة الاستيعابية للتعليم الإعدادي علما بأن ظاهرة الهدر
المدرسي تستفحل في هذا الأخير بسبب عامل البعد بالأساس (و ليس مجرد الفقر أو
العقلية) . أظن أن الإطعام المدرسي قد استنفذ مشروعيته في كل المدارس الابتدائية ،
و أن برنامج تيسير هو الآخر يجب تقليص مجال عمله في الابتدائي و أن يتم التركيز
فيه على التعليم الإعدادي .
ــ فكرة الداخليات في التعليم الابتدائي
(المدارس الجماعاتية) و التعليم الإعدادي بالنظر إلى سن التلاميذ تتسبب في حد
ذاتها في كثير من الهدر المدرسي ، كما أن حالة الكثير منها (إن لم نقل كلها) لا
تشجع على إيداع الأولياء بناتهم و أبناءهم فيها ، ناهيك عن الثغرات التربوية
الخطيرة التي تعتورها : و أقصد هنا بالذات الفراغ التربوي و غياب الإشراف التربوي
الذي تعانيه التلميذات و يعانيه التلاميذ في الفترة النهارية عندما ينتهي توقيت
عمل الحارس العام للداخلية ... و إلا فإن هناك داخليات (في التعليم الثانوي على
الخصوص) قد خرجت عن حدود السيطرة و أصبح فيها النظام خاضعا لأهواء التلاميذ . ناهيك
عن المخاطر الأخرى التربوية و الصحية المتعلقة بحراسة التلاميذ و إيوائهم و
إطعامهم ... لهذا فإنه من الأجدى مراجعة فكرة إنشاء الداخليات من أصلها و البحث عن
بدائل جديدة .
ــ النقل المدرسي هو الآخر يعاني من مشاكل
عديدة على يد الجمعيات التي تسيره ، كما أنه لا يخلو من مخاطر تتعلق بمخاطر الطريق
... لهذا فإن التفكير في بدائل أفضل يبقى أمرا ملحا .
ــ من الملاحظتين السابقتين ، و بالنظر إلى أن
الكثير من جهود الدعم الاجتماعي المبذولة على مستوى الداخليات و الإطعام المدرسي و
النقل المدرسي في التعليم الإعدادي (بصفته آخر محطة في التعليم الأساسي الإجباري) كان
بالإمكان الاستغناء عنها و تعويضها بحلول أخرى أنجع : أقصد هنا صيغة جديدة من صيغ
استعمال الزمن الخاص بالتلاميذ تتجاوز الصيغة التقليدية (الذهاب و الإياب صباحا و
مساء) . فإنني أقترح اعتماد التوقيت المستمر من خلال اعتماد التدريس خلال الفترة
الصباحية فقط على أن تكون آخر حصة للتلاميذ في اليوم تنتهي عند الساعة 13:00 أو
14:00 (فكرة معتمدة في عدد من الإعداديات ذات الحجم الصغير) ، فيجد التلاميذ الوقت
الكافي لكي يعودوا إلى منازلهم في أفضل الظروف . هذه الصيغة لا تحتاج سوى إلى
توسيع الطاقة الاستيعابية للإعداديات و ذلك بأن لا يقل عدد قاعات التدريس عن عدد
الأقسام . في هذه الحالة : الكثير من التلاميذ لن يكونوا بحاجة إلى داخليات
للإيواء فيها ، كما أن آخرين لن يكونوا بحاجة إلى النقل المدرسي ، و هؤلاء جميعا
(ربما) لن يكونوا بحاجة إلى الإطعام المدرسي . يكفي هنا فقط أن توجه الوزارة
عنايتها إلى الاستثمار في بناء قاعات دراسية أكثر عوضا عما تنفقه فيما ذكر من
وسائل الدعم الاجتماعي .
على سلامتنا ، حتى تنفق هذه الملايين وتصرف بدون فائدة ترجى ثم يظهر للوزارة الوصية أن البرنامج غير ناجح ، وأين الدراسات القبلية والتخطيط بدل التخبط في التجارب الغبية ؟
ردحذف