بقلم : عبد المجيد التجدادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتحدث عدد من اللائكيين عن الإسلاميين (*) بما يقر في أنفسهم تجاههم أو تجاه أفكارهم من مخالفة عن علم أو عن جهل ... و حيث إن اللائكيين أصناف من الناس : منهم المخادع الذي لا يرى في السياسة إلا ألاعيب و خدع و مقالب و لا يرى لها من الأخلاق أي حظ ، و هو في ذلك راقص بارع على الحبال لا خلاق
له ..؛ و منهم صاحب الفضل الذي تعلوا قيمه على مصالحه الخاصة ، تحس من خلال خطابه أو من معاشرته أنه فيه من الخير ما يجعله أهلا للفضل و "حلف الفضول" ... فإن هذا النوع الأخير نرجو أن يكون حورانا معه حوارا متقدما بناء مثمرا يسير بنا نحو الأمام لا انتكاس فيه .....
نخصص هذا الموضوع لمناقشة المشروع الذي يحمل لواءه الإسلاميون ، أو ما قد نسميه بالوصفة الإسلامية . و حتى يكون عرضنا أكثر نفعا آثرنا أن يكون مركزا ، بعيدا عن العموميات ، و ذلك من خلال أمثلة محددة .
يرى اللائكيون بأن الدين شأن خاص ، و لا يجوز بتاتا إقحامه في الشأن العام ، و تفسير ذلك يختلف ما بينهم : فمنهم من يرى الدين مطلقا لا يحتمل تقلبات الحياة العامة ، و منهم من يراه شيئا مقدسا فيريد تنزيهه عن لوثات الحياة العامة ، و منهم من لا يؤمن به بتاتا و يراه مجرد مرحلة طفولية متخلفة مرت منها البشرية و انتهت إلى غير رجعة ، و منهم من يراه أفيونا مخدرا يوظفه بعض البشر ضد آخرين ....
أما الإسلاميون فيرون بأن الدين هو من صميم الحياة الخاصة و العامة ، و أنه لا ينفك عنهما و أن الفصل بينهما مرض انفصام في شخصية المسلم ... الدين المقصود هنا هو دين الإسلام : الخاتم من بعد إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام ، و المنزل من عند الله عز و جل المتصف بالكمال لا بالنقص سبحانه ...
غير أن الذي يجب أن يفهمه اللائكي عن فكرة "الوصفة الإسلامية" في الشأن العام هو أنها ليست مشروعا جاهزا لا ينتظر سوى التنفيذ بحذافيره ، بل هو إطار عام يقدم توجيهات عامة و إشارات توجه نحو السبيل الراشد أكثر مما يقدم تفاصيل و جزئيات : هذا هو السبيل ، و ذاك هو المبتغى ؛ و لكن كيف أتحرك ؟ و بأية سرعة ؟.. هذا شأن بشري عليه فيه إعمال العقل و الجهد و استنباط أسرار الله عز و جل المبثوثة في كتابيه المقروء (القرآن الكريم) و المنظور (الكون) .
و حتى نكون عمليين في تركيز نأخذ على ذلك هذه الأمثلة :
ــ مسألة تدبير الاختلاف الفكري و السياسي : يمكن أن نرى بجلاء أن الحزب الأقرب إلى أن يكون ديمقراطيا قي المغرب هو حزب العدالة و التنمية ، و قد تجاوز في ذلك أحزابا عتيدة تدعي على غير ما يشهد به الواقع التقدمية و الحداثة و الديمقراطية ، و آخر شواهد ذلك طريقته الفريدة غير المسبوقة في المغرب في تدبير مسألة اختيار وزرائه عكس طريقة حلفائه في الحكومة . الحزب و من ورائه حركة التوحيد و الإصلاح ينطلقان من مبادئ إسلامية موجهة : الشورى و البيعة و الطاعة . فتفتقت تجربتهما عن قاعدة يسيران وفقها في تدبير شؤونهما التنظيمية : لكل رأيه الخاص ، و لكن القرار الجماعي ملزمٌ . بمعنى أننا جميعا في مستوى الشورى ندلي بآرائنا و اقتراحاتنا بكل اختلافاتها ، و لكن عندما ننتقل إلى مستوى اتخاذ القرار النهائي فنتفق نحن جميعا (بالأغلبية أو بالإجماع) على قرار معين ، فإن الجميع ملزم باحترام ذلك القرار في إطار الطاعة حتى و لو كان مخالفا لهواه .
ــ مسألة الربا في الاقتصاد : المرابي مستثمر جبان و طفيلي ما دام أنه يكتسب الثروة من خلال جهد الآخر ، و على هذا الأساس تقوم المؤسسات البنكية في فهمها التقليدي . الإسلام يرفض التطفل ، و يحث على المشاركة : أي على المشاركة في الربح و الخسارة ، من هذا المبدأ يبدع الفقه الإسلامي عددا من أشكال المعاملات المالية (كالمزارعة و المضاربة ...) التي تروم إلى تحقيق التمويل من خلال مبدأ المشاركة . و هكذا ، فالعقل المسلم عندما يستوعب المبدأ يفكر في إبداع الحلول الموافقه له . مثلا : رئيس الوزراء التركي أردوغان عندما كان رئيسا لبلدية اسطمبول كانت عنده أزمة مرور خانقة ما بين الضفتين الآسيوية و الأوربية للمدينة ، ففكر في إنشاء نفق تحت البحر للربط بينهما ، بعدما أنجزت الدراسات اللازمة للمشروع وقف الجميع عند مشكلة التمويل . ماذا فعل أردوغان ؟ انطلق من مبدأ ديني موجه : المشاركة . هكذا ، لم يلجأ إلى طلب القروض من الأبناك الإقليمية و الدولية ، بل أعلن في الإعلام عن مشروع النفق و وعد بإشراك كل مستثمر يساهم في تمويل المشروع في مداخيله . فكانت المفاجأة : كانت مدة 24 ساعة كافية لجمع كل الأموال الكافية لإنجاز المشروع ..، و تم المشروع فعلا بنجاح ... و لعل نفس المبدأ تريد مصر تحقيقه من خلال ما يعرف بـ"الصكوك" .
ــ مسألة الخمر في الصحة و المجتمع و الاقتصاد ... : الكل يتذكر دفاع أحمد عصيد اللائكي عن الخمور في احتجاج له على الإسلامي أحمد الريسوني و معه الرويسي و غيرها من اللائكيين ... الخمر كما هو متفق عليه صحيا و اجتماعيا و اقتصاديا مدمر : يدمر الصحة ، و يدمر الأسر ، و يستنزف الاقتصاد مع ما قد يوهم به في أوله بمداخيل ... و نفس الحكم يسري على التدخين و المخدرات باشكالها المختلفة . المبدأ واضح : كل مسكر حرام ؛ و كل ما فيه هلاك للنفس بغير موجب حق حرام .
ــ مسألة الأسرة في الشأن العام : الكل يرى شدة حرص الإسلاميين على هذا الموضوع . لماذا ؟ هذا بكل بساطة لأن الأسرة في الإسلام كيان مقدس ، و تستمد قداستها هذه من كونها خلية المجتمع ، قوته من قوتها و ضعفه من ضعفها ... و بالتالي فقد تم العمل على وضع كل ما من شأنه جعل الأسرة حصينة ضد أي فيروس يدمر كيانها : الدفاع عن الزواج الشرعي الذي أحله الله بميثاقه الغليظ ، و توثيق عرى أفراد الأسرة من خلال علاقات أفرادها من عدل و إحسان و تضامن و تحاب و غيرها مما يدخل في حقوق الزوجين ، و حقوق الأبناء و حقوق الوالدين ، و حقوق الرحم ......
.........
هذه أمثلة ، و إلا فإن المجال فيها مفتوح للكثير مما يقال ، و خاصة لو سنحت الظروف أكثر لاحتكاك المبادئ مع الواقع ، فهذا سيكون فرصة عظيمة لتوليد ما قد يكون محجوبا عنا الآن بسبب المجال الضيق الذي يحاصر فيه الإسلاميون أنفسهم أو يحاصرهم فيه غيرهم ...
غير أن الأساسي هنا هو أن نستوعب المبدأ : الإسلام يضع نصب أعيننا طريقا (منهجا) نسلكه ، غير أن فعل السلوك نفسه من حيث طريقته و سرعته نحن المسؤولون عنه . لهذا أتوجه بالكلام إلى اللائكي الذي أطمع في أن يكون حواري معه مثمرا : الإسلاميون بشر بين أيديهم منهج ، فإذا أخطأ بعض هؤلاء الإسلاميين (و هذا حق البشر) في طريقة السلوك أو سرعته وجه لبشريتهم سِهام نقدِك ، و احذر أن تتجرأ على الله عز و جل فتتهم المنهج ، لأن المنهج هو من عند الله عز و جل المتصف وحده بالكمال ؛ أما نحن البشر فمجرد بشر نخطئ و نصيب ... المهم هو أن تسلم النيات ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ــ ننوه هنا إلى نشاط هذا النقاش في موقع دفاتر تربوية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق