الخميس، فبراير 02، 2012

ما بين صناعة الموت و صناعة الحياة





بقلم : عبد المجيد التجدادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعطي أمتنا صورا جميلة و رائعة في بذل الروح لأجل قضاياها العادلة ، حيث تجدنا أسرع إلى بذل النفس و النفيس . نحن هنا بارعون في ما يسمى بـ "صناعة الموت" ، و هي صناعة غاية في الخطورة تجعل أي عدو مهما كانت قوة بطشه و سطوته يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على أي خطوة قد تستثير تلك القوة الرهيبة
الكامنة ... هذا ما كشفت عنه الحركات المسلحة و الوطنية في الفترة الاستعمارية ؛ و هذا ما انكشف كذلك من خلال تجربة الاتحاد السوفيتي في مواجهة ملحمة الجهاد الأفغاني ، ثم أمريكا مع حلفائها في مواجهة ذلك المارد ؛ و هذا ما انكشف كذلك من خلال تجربة العدو الصهيوني في مواجهة ملحمة الجهاد الفلسطيني ، و خاصة مع مشهد العمليات الاستشهادية ( الانتحارية ) التي زرعت الرعب و الارتباك في حسابات العدو حيث استبدت به الحيرة في طريقة التعامل مع هذه الصناعة ؟ !.. و يتكرر نفس المشهد من جديد في مختلف المواقع الإسلامية التي تتورط فيها القوات العسكرية الغربية في الصومال و العراق و أفغانستان ...

و تأتي سنة 2011 المجيدة لتؤكد هذه القناعة : إننا الأزكى بأنفسهم في سبيل قضاياهم التي يجابهون فيها عدوا خارجيا أو داخليا واضحا : فقد استشهد أو المئات أو الآلاف في الثورات التونسية ، و المصرية ، و الليبية ، و اليمنية ، و السورية ..؛ و سقط المئات أو الآلاف من الجرحى و المعطوبين بمن فيهم الذين خرجوا من الثورة بعاهات مستديمة ...؛ و قد ترك كل هؤلاء مصالحهم الخاصة جانبا و رابطوا بميادين الثورة و التحرير . و هناك في الميادين أبانوا عن روح جهادية نضالية عالية ، و قدموا أجمل مشاهد الوطنية و الأخوة و التعاون و الإيثار ..، و كل خلق نبيل يمكن به تجاوز الصعاب و التحديات و تحقيق المعجزات ....

هذا عن صناعة الموت ، و نحن فيها بارعون بلا شك ... فألف تحية و تحية لكل من قدم نفسه فداء لقضايا هذه الأمة .

أما و قد انتقلنا إلى مرحلة صناعة الحياة ؛ فإننا و كما جاء في الأثر : خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، ثم و كأننا بقول النبي صلى الله عليه و سلم << فو الله ما الفقر أخشى عليكم و لكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم >> ... فلما خرج الاستعمار و تحقق الاستقلال ..، تهافت مقاومو و وطنيو الأمس على كراسي الحكم و الجاه فاستبدّوا و شدّدوا الخناق على شعوبهم حتى أصبحت السلطة و المال و الكلمة دُولة بينهم من دون الشعب ... و كذلك كان الأمر في كل دول الأمة .

و لما خرج الغزاة من البلاد ..، انقلب إخوة ومجاهدو الأمس على بعضهم ، يقتل بعضهم بعضا ، حتى قلبوها فتنة و حربا أهلية ، الضحية الأولى فيها هم أبناء الشعب المستضعفين ... و كذلك كان الأمر في أفغانستان و العراق و الصومال ...

و لما سقط الطغاة و تزحزحوا من على كراسيهم ..، انقلب الثوار على بعضهم البعض تخوينا أو تسفيها ، أو ربما قد يضرب بعضه رقاب بعض ... و كذلك بدا الأمر في ليبيا و مصر و تونس ... فكانت الثورة السلمية ( أو المسلحة ) بكل الجمال الأخوي الذي تزينت به مجرد غفوة صحت من بعدها الأطماع و الشكوك و التهافت على غنائم الثورة .

إننا و مع كل الفخار الذي كنا نحس به في أيام الثورة ، ثورة ربيع الأمة ، نحس بالخوف مما يتناهى إلى مسامعنا من هنا و هناك من فتن تشتعل بين الحين و الآخر ، مجرموها هم أنفسهم أبطال الثورة .. كأننا بقول النبي صلى الله عليه و سلم و هو يحذر أصحابه في حجة الوداع قائلا << لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض >> ، و هو حينها يوصي وصية مودع لرجالات و نساء ضربوا للناس روائع البذل و التضحية و العطاء في مناخ أخوي يعز نظيره تآلفت فيه قلوبهم ..، ثم هم يخوضون في ما يتفطر له قلب كل مؤمن عندما يقف على حدث الفتنة الكبرى ...

لهذا ، فإنه ما أحوجنا إلى تحقيق التوازن ما بين براعتنا في صناعة الموت و عثراتنا في صناعة الحياة . ما أحوجنا إلى التشبع بفقه صناعة الحياة حيث عمارة الأرض و إصلاحها ...

إنه ما أحوجنا إلى :

ــ التسليم بسنة الاختلاف في خلق الله ، و التشبع بخلق التسامح و آداب الحوار حتى مع الأشدين اختلافا ، و لنا في محاورة فرعون عبرة ؛

ــ و الالتزام بأوامر الله عز و جل الداعي إلى التراحم و التشاور ؛ فنحن جميعا في نهاية الأمر إخوة في الإنسانية و الوطن و الدين ؛

ــ و تصديق النبي صلى الله عليه و سلم الذي يؤكد أن أمته لا تجتمع على ضلال ؛ فالقرار النهائي هو لما تقرره الأمة باختيارها الحر ، و لتتحمل بعد ذلك نتائج اختياراتها الحرة كيفما كانت .

... و أول المواد الأولية لصناعة الحياة أن لا يستغني الواحد منا بنفسه ، و يدعي الكمال له وحده ، و يسفه ما دون مذهبه ...؛ و يشد بدل ذلك على يد إخوته في الدين و الوطن لكي يبنوا جميعا مستقبل الجميع ..؛ مع التزام سكة الصبر و المصابرة حتى النهاية .

فيا شعب تونس ، و يا شعب مصر ، و يا شعب ليبيا ، و يا كل شعب يسير على درب الثورة فكروا بنفس الروح الأخوية في بناء صروح الحرية و العدل و الكرامة كما فكرتم في هدم صروح الظلم و الاستبداد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق