من أجل بديل لمذكرة "البستنة"
عبد المجيد التجدادي
tajdadid@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في منتصف يناير 2022 ، أصدرت إحدى المؤسسات التعليمية
بالمغرب ، من خلال مجلس انضباطي ، قرارا بالتوقيف المؤقت عن الدراسة لتلميذ و
الطرد لآخرين عقابا لهم على عمل مشين داخل حرم المؤسسة يخل بنظامها و يمس بحرمتها
التربوية التعليمية .
و إن كانت الأفعال التي تستوجب عقد مجالس انضباطية في حق مرتكبيها من التلاميذ لا تكاد تخلو منها مؤسسة تعليمية في ربوع المملكة ، و خاصة منها تلك
الكائنة في الحواضر الكبرى ؛ فإن المثير للانتباه في هذا القرار أنه جاء مخالفا لما تنص عليه المذكرة الوزارية رقم 867/14 الصادرة سنة 2014 في شأن "القرارات التأديبية المتخذة من قبل مجالس الأقسام" ، المعروفة عند عموم أطر التربية و التعليم تهكما بـ"مذكرة البستنة" !في تلك المؤسسة العريقة بمدينة مكناس ، لا يُتصور أن
أعضاء ذلك المجلس الانضباطي يجهلون بمضمون المذكرة الوزارية المشار إليها ، و لا
يتصور أنهم يجهلون أنهم بقراراتهم تلك يدخلون في تحدي مع الوزارة الوصية على
القطاع ، و أنهم بين فينة و أخرى ينتظرون بلاغا صحفيا (أو أمرا شفهيا) من المديرية
أو الأكاديمية يلغيها و يضعهم في حرج مع مجموع تلاميذ مؤسستهم (1).
و لكنه ، على ما يبدو ، تحدي اجبروا على اقتحامه و خوضه
تعبيرا منهم على مدى غضبهم من الوضع الذي آلت إليه مؤسستهم في ظل "مذكرة
البستنة" التي لا تستطيع إطارة ذبابة من على خذ .
جاء في محضر المجلس الانضباطي أنه في قراره ذاك يستحضر
"المصلحة الفضلى للمؤسسة" ؛ و هذه إشارة دقيقة منه يقابل شعار
"المصلحة الفضلى للتلميذ" الذي ترفعه الوزارة !.. و إن كنا نرى أن لا
اختلاف بينهما : فالمصلحة الفضلى للتلميذ تقتضي توفير مناخ دراسي مناسب للتربية و
التعليم داخل المؤسسة التعليمية يسوده النظام و الانضباط و الهدوء ، و تغيب فيه كل
أشكال الشغب و الفوضى ، و تسير فيه العملية التعليمية التعلمية و العمل التربوي
عموما بالسلاسة المطلوبة .
لقد جاء هذا القرار الشجاع من المجلس الانضباطي في
تقديرنا لتحريك المياه الراكدة الآسنة ، و وضع "مذكرة البستنة" في
الواجهة بعدما أفسدت من حيث ظنت أنها تريد الإصلاح . قرار المجلس صرخة مدوية غيورة
يتردد صداها في الكثير من المؤسسات التعليمية بالمغرب لمراجعة تلك المذكرة
"غير الموفقة" .
و في هذا الشأن ، و نحن نتفق على مبدأ حق التعلم ، كما
نتفق على فكرة العقوبات البديلة في إطار أن العمل التربوي يتعالى عن مبدأ الانتقام
و يميل دوما إلى مبدأ الإصلاح و التهذيب ؛ فإن هذا يجب أن يكون خارج حدود الإطار
الضيق الذي رسمته المذكرة المشار إليها . هذه المذكرة استنفذت الغرض منها و لم تعد
تصلح لشيء ، و أصبحت متجاوزة بدليل قرار المجلس الانضباطي هذا الذي أعطى إشارة للرغبة
في الخروج عنها (و التمرد عليها) ... و نحن نقول هذا من واقع ميدان ممارسة العمل
التربوي التعليمي .
إن واقع الكثير من الأسر المغربية يعكس تماما وضعية
"الأمَةِ التي تلد ربَّتها" . فقد أصبحت للأولاد "سلطة" على أوليائهم
و يفرضون عليهم رغباتهم ؛ و دليل هذا حالةُ العجز و الاستسلام التي نلمسها صارخة
فيهم عند كل استدعاء لهم إلى المدرسة للوقوف على مخالفات أولادهم . هذا العجز
ينعكس بدوره على أداء المدرسة نفسها ، حيث إنها لا يمكنها أداء رسالتها بدون تعاون
فعال و إيجابي من قبل الأولياء . لهذا يجد الأساتذة أنفسهم في الساحة منفردين
وحيدين في مواجهة نوع من التلاميذ خرجوا عن طوع أوليائهم ، و يحقرون كل ما له صلة
بالاحترام و القواعد و الآداب و النظام و الانضباط (2) ؛ فلا تنفع معهم لا دفاتر
تتبع ، و لا لجان يقظة و إنصات و لا "مذكرة بستنة" .
و إن كنا نتفق على أن الواقع الصعب للكثير من الأسر
المغربية (في ظل تحولات المجتمع المغربي) يمكن أن ينتج هذه العينة من التلاميذ ،
فإنه لا يجب أن يحجب عنا هذا حقيقة أن السلوك نفسه يسري إلى باقي التلاميذ (حتى
العاديين منهم) بعامل العدوى الذي تنتجه رفقة جماعة المدرسة ؛ فتأثر التلميذ
بجماعته المدرسية أقوى من غيرها . و إلا ، فإنه إذا قرر الخروج عن تأثيرها ،
فسيواجه بالإقصاء و وابل من النعوت السيئة و الاحتقار أو حتى التنمر و الاعتداء (و
من يستطيع هذا منهم ، و خاصة فئة المراهقين الذين لا يجدون معنى لذواتهم إلا وسط
جماعتهم و من خلالها ؟!) .
في هذا الإطار ، و من منطلق النقد البناء في هذا الشأن ،
و لتجاوز الإطار الضيق الذي رسمته "مذكرة البستنة" ، و رغبة في تحسين
المناخ التربوي للمدرسة العمومية المغربية ، فإننا نقترح البديل التالي :
ــ إحداث مؤسسات تربوية استثنائية (مؤسسة واحدة على
صعيد كل جهة على أقصى تقدير) ، داخلية 100
% ، غير مختلطة ، ذات
نظام أقرب للشبه العسكري (أشبه بالمؤسسات الإصلاحية التي يحال عليها القاصرون
الجانحون من قبل القضاء) ؛ توكل مهمة تسييرها لإدارة تجمع بين ما هو أمني و تربوي
تعليمي و صحي . مَهَمتها استقبال التلاميذ المراهقين (تلاميذ الثانوي الإعدادي و
الثانوي التأهيلي) الذين قهروا أولياءهم و
عجزت المدرسة العادية عن احتوائهم و تقويم سلوكاتهم .
و توكل مهمة اتخاذ القرار في إرسال التلاميذ المستهدفين
إلى تلك المؤسسات التربوية الاستثنائية مجالس أقسام المؤسسات التعليمية العادية .
ينقل إليها هؤلاء المستهدفون بمعرفة وزارة الداخلية ، و يجبرون على قضاء مدة معينة
فيها ؛ يتابعون دراستهم بشكل عادي ، و يتلقون فيها ما يلزم من رعاية تربوية و
نفسية تؤهلهم للعودة إلى المسار الطبيعي و العادي للدراسة بعد أن تتأكد استجابتهم
لهذا الإجراء التربوي الاستثنائي . و لعل إخراج هؤلاء من المسار العادي للدراسة (و
حرمانهم من امتيازاته بشكل مؤقت) إلى هذا المسار الاستثنائي المشدد ، من شأنه (و
هذا هو المأمول) أن يحسسهم بقبح و سخافة سلوكاتهم الطائشة ، و بمدى جرمهم في حق
أنفسهم و أوليائهم و زملائهم و أساتذتهم ، و أن يُعدل و يصحح أفكارهم و معتقداتهم
و سلوكاتهم و يعيدهم إلى جادة الصواب ..؛ و من شأنه كذلك أن يحسن حتى من مستواهم
الدراسي و يفتح لهم آفاق مستقبلية أرحب دراسيا و مهنيا و اجتماعيا .
إن إحداث تلك المؤسسات التربوية الاستثنائية ، و وضع مثل
هذا القرار بيد مجلس القسم (3) ، و معرفة التلاميذ بذلك ، كفيل بالقضاء على الكثير
من الظواهر السلبية التي تعج بها المدرسة المغربية و قتلها في مهدها قبل أن تستشري
و تنتقل إلى الشارع العام . كما أنه كفيل
بتخريج مواطنين لا "خردة"(4) . مواطنون يساهمون في بناء وطنهم ، و ليس
فوضويين يخربون وطنهم كما هم يخربون الآن مدرستهم . و مجرد التلويح بهذا القرار
على سبيل الترهيب يكفي لتحقيق النتيجة المرجوة لدى الغالبية العظمى من العناصر
الشاردة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ هذا ما وقع فعلا بعد أيام ، حيث إنه صدر بلاغ
مرتبك من إدارة المؤسسة يتراجع عن قرارات المجلس الانضباطي ، ثم تلاه بلاغ توضيحي
من المديرية لا يقل عنه ارتباكا .
(2) ــ نظن أن الدولة نفسها فطنت إلى هذا المشكل الخطير
، فأحيت لأجل ذلك "الخدمة العسكرية" .
(3) ــ نقترح هنا تمكين مجلس القسم من حق إقرار عقوبات تأديبية تدريجية (أخف حدة) بحسب ما يراه مناسبا مع ضمان حق التلميذ في متابعة دراسته بشكل عادي ، على أن تكون أقصى العقوبات هي الإحالة على تلك المؤسسات التربوية الاستثنائية ، ما يعني أن المؤسسة استنفذت كل جهودها و أن حالة التلميذ المعني و مصلحته و مصلحة مجموع تلاميذ المؤسسة تتطلب ذلك .
(4) ــ بحسب تعبير "الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم" في تقريرها الصادر في يناير 2022 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق