بقلم : عبد المجيد التجدادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في خضم الأحداث و الرياح العاتية التي يشهدها العالم العربي في هذه السنة المتميزة ، سنة 2011 ، و في خضم انسياق المغرب الطبيعي مع تلك التطورات من خلال التحركات الشعبية التي يشهدها منذ مدة ، نعود لكي ننهل من التاريخ ما قد يفيدنا في تلمس مسار المستقبل الغامض .
في كتابه << زعيم الريف محمد عبد الكريم الخطابي >> (1) ، أورد الكاتب محمد العلمي شهادة للأستاذ عبد الله إبراهيم رحمه الله في حق الأمير عبد الكريم الخطابي قال فيها : << إن محمد عبد الكريم كان صوت ضمير يعبر عن مشاعر الجماهير الشعبية و يفكر مثلها >> (2) . و شهادته هذه هي ما تؤكده أفعال الخطابي رحمه الله ، فقد كان في مواقفه واضحا وضوح الشمس ، لا يناور و لا يراوغ ، و لا يخاف في الله لومة لائم . لقد عبر عن رفضه التام لمبادرة بورقيبة الفردية بمفاوضة الاستعمار الفرنسي على الحكم الذاتي لتونس ، و رفض مفاوضات إيكس ليبان بين الحركة الوطنية و الاستعمار الفرنسي ، و نعت استقلال المغرب بأنه " إحتقلال " تعبيرا عن نقصه ، و عبر عن رفضه لـ"الدستور الممنوح" الذي جاء به الحسن الثاني رحمه الله ، و طالب بذل ذلك بجمعية تأسيسية على غرار ما كان يُعد له في عهد محمد الخامس رحمه لله ، و رفض العودة إلى مغرب " الاحتقلال " ما لم يتطهر من وجود القوات الأجنبية ، و رفض مفاوضات الحكومة الجزائرية المؤقتة مع الاستعمار الفرنسي ... بل و وصل به الأمر إلى حد انتقاد مستضيفيه في مصر في عدد من سياساتهم الناصرية .
لقد اتهم زعماء الحركة الوطنية ببلاد المغرب بأنهم خانوا العهد الذي قطعوه في ميثاق " لجنة تحرير المغرب العربي " الذي أصدره و أذاعه هو شخصيا في سنة 1948 بعد أخذ موافقتهم . و نجد بهذه المناسبة أنه من المفيد أن نعيد مطالعة تلك الوثيقة ، لهذا الغرض نقتطف منها ما يلي من خلال ما ننقله عن نفس المرجع لمحمد العلمي .
مما جاء في هذا الميثاق :
<< منذ أن مَنّ الله علينا بإطلاق سراحنا و التجائنا إلى ساحة الفاروق العظيم (3) ، و نحن نواصل السعي لجمع كلمة الزعماء و تحقيق الائتلاف بين الأحزاب الاستقلالية في كل من مراكش و الجزائر و تونس بقصد مواصلة الكفاح في جبهة واحدة لتخليص البلاد من ربقة الاستعمار .
(...)
و إذا كانت الدول الاستعمارية على باطلها تحتاج إلى التساند و التعاضد لتثبيت سيطرتها الاستعمارية فنحن أحوج إلى الاتحاد و أحق به من أجل إحقاق الحق و تقويض أركان الاستعمار الغاشم الذي كان نكبة علينا ، ففرق كلمتنا ، و جزأ بلادنا ، و ابتز خيراتنا ، و استحوذ على مقاليد أمورنا ، و وقف حجر عثرة ضد تقدمنا و رُقينا ، ثم حاول أن يقضي على جميع مقوماتنا كأمة عربية مسلمة .
(...) و لقد كانت الفترة التي قطعناها في الدعوة للإئتلاف خيرا و بركة على البلاد فاتفقتُ مع رؤساء و مندوبي الأحزاب الذين خابرتهم على تكوين "لجنة تحرير المغرب العربي" من سائر الأحزاب الاستقلالية في كل من تونس و الجزائر و مراكش على أساس مبادئ الميثاق التالي :
أ) ــ المغرب العربي بالإسلام كان ، و للإسلام عاش ، و على الإسلام سيسير في حياته المستقبلية .
ب) ــ المغرب جزء لا يتجزأ من بلاد العروبة ، و تعاونه في دائرة الجامعة العربية على قدم المساواة مع بقية الأقطار العربية أمر طبيعي و لازم .
ج) ــ الاستقلال المأمول للمغرب العربي هو الاستقلال التام لكافة أقطاره الثلاثة (...) >> (4) .
هذه الوثيقة التاريخية تحتاج منا إلى وقفة تأمل عميق تنتهي بمقارنة آمال جيل من الوطنيين الآحرار ضحوا بالغالي و النفيس لأجل تخليص البلاد و العباد من ربقة الاستعمار الغربي ، و تخطيطات جيل آخر جاء من بعدهم أضاعوا العهد و انحرفوا بالمسار ، و قد نشأ الكثير منهم في أحضان الرعاية الفرنسية فتسلقوا هرم السلطة بالبلاد حتى وصلوا إلى مراكز القرار التي تجعلهم يقررون لها ما هو في مصلحتهم و ضدا على المسار الذي رسمه أبطال التحرير الحقيقيين امثال الخطابي و غيره الذين يعبرون عن ضمير الأمة و مشاعرها و يفكرون مثلها .
يثبت الواقع أن هؤلاء فعلا خانوا العهد و لم يفوا به ، فهذا بورقيبة بمجرد ما تسلم السلطة في البلاد انحرف بالناس عن هويتهم الإسلامية و ساقهم هو و خليفته إلى مسار انتهى بالكثير من التونسيين إلى الانسلاخ عن هويتهم ذات الجذور الاسلامية و تشويهها إلى حدود عجز عن الوصول إليها المستعمر نفسه .
و هذه الجزائر بحكومتها العسكرية أصبحت منذ تسلمها السلطة عنصر تشويش رئيس يهدد الدول المجاورة الشقيقة ــ و على رأسها المغرب ــ و يعرقل أي تقدم في بناء الاتحاد المغاربي ، ناهيك عن الفساد الذي نشروه في البلاد و الفرنسة التي واصلوا تكريسها في المجتمع الجزائري .
و هذا المغرب بحكوماته المتعاقبة تصر عناصرها التي تقرصن مواقع السلطة على توطيد دعائم الفرنسة و التغريب في الشعب المغربي ، فأصبحت لا ترى في مختلف جنبات حياة المواطن المغربي إلا و الحرف الفرنسي و الطابع الفرنسي حاضرين بقوة ، ناهيك عن الفساد الذي استشرى إلى حد لا يطاق .
إن هذه الوثيقة مدعاة للتأمل في حقيقة المستقبل الذي نأمله لهذا البلد و لباقي البلدان التي تشكل أرض بلاد المغرب .
لقد وضحت الوثيقة ملامح هوية بلاد المغرب الرئيسة التي ينهل منها وجوده التي بها كان ، و لها عاش ، و بها يسير . فهل نحن الآن الداعون إلى الإصلاح بحق أوفياء لذلك الميثاق ؟ أم أننا سننحرف كما انحرف السابقون حتى أوصلونا إلى موارد الهلاك ؟
و عودا على بدء ، نكرر ما قاله الأستاذ عبد الله إبراهيم في حق الأمير الخطابي : << إن محمد عبد الكريم كان صوت ضمير يعبر عن مشاعر الجماهير الشعبية و يفكر مثلها >> ، فلنحرص نحن على أن تكون دعواتنا إلى الإصلاح تعبيرا عن حقيقيا عن مشاعر الشعب و ضميره و فكره .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ ألفه سنة 1968 .
(2) ــ زعيم الريف محمد عبد الكريم الخطابي ، محمد العلمي ، إفريقيا الشرق ، المغرب سنة 2009 . ص 131 .
(3) ــ يقصد الملك فاروق ، ملك مصر آنذاك .
(4) ــ نفس المرجع السابق ، ص 98 ـ 99 ـ 100 .
هدا ليتسما زعيم اما الزعماء اليوم تنقول فيهم لا حياة لمن تنادي
ردحذف