الجمعة، مايو 26، 2017

كلمة في حق اللتفزة المغربية


كلمة في حق التلفزة المغربية


عبد المجيد التجدادي
tajdadid@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التلفزة المغربية (بمختلف قنواتها) أداة إعلامية و تعليمية تربوية رهيبة لا يكفي أن تسند مهمة الإشراف عليها إلى وزارة تقنية بحجم وزارة الاتصال ، أو هيئة رقابية بحجم و تمثيلية الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بل لا بد أن تكون تحت إشراف هيئة أكبر تضم جميع القطاعات ، و يكون لها مندوبون في جميع جهات المملكة : سبب هذه الملاحظة ما ترسخ لدي من أن الإعلام المغربي بجميع قنواته السمعية و
البصرية : يهدم من جهة ما بناه هو نفسه من جهة أخرى أو ما تبنيه قطاعات أخرى ، في إطار عمل عبثي فوضوي يكشف مدى ضبابية رؤية (أو فلنقل حتى عمى) هذا القطاع بكل الأطر العليا و المتوسطة و الدنيا "المجندة" للعمل فيه . فعلى سبيل المثال :
ــ بينما تشتد الحملة الوطنية المعروفة بـ"زيرو ميكا" ، و تستمر التعبئة من خلال التلفاز لإنجاحها و استدامة أثرها ، نفس التلفاز (القناة الأول على سبيل المثال) لا يتحرج من عرض السلسة الكوميدية "كوفتي" التي لا تكف طوال دقائقها عن عرض مشاهد استعمال الأكياس البلاستيكية في تعبئة سلع الزبناء !...
ــ و بينما تشتد و تتنوع الوصلات الإشهارية التحسيسية للجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير ، و ما توصي به من اتخاذ كافة أسباب السلامة ؛ و منها على سبيل المثال : استعمال الخودة بالنسبة للدراجات النارية . فإنه في برنامج "توبقال" (هجين اللغة) الذي يتكرر عرضه في قناة "المغربية" يعرضون مراكشيا و هو يستعد لإعداد الطنجية : فطاف مراكش طولا و عرضا تجاه تمصلوحت و تجاه مكان "النزاهة" على مرأى من صاحب البرنامج و الشرطة و الدرك دون استعمال الخودة ؟!.. هذه المخالفات التي يتم تمريرها ضمنيا عبر هذه البرامج (بدل أن يتم تمرير السلوك الصحيح) تكرسها الكثير من المسلسلات و الأفلام المغربية بدعوى عرض الواقع دون "رتوشات" بحسب تعبير أصحابها (و هذا واحد مما يؤخذ على ثلة من المخرجين و الممثلين السينمائيين الذين يحرصون على عرض الأمثلة الفاسدة للواقع مع ما لها من تأثيرات سلبية بتكريس ذلك الواقع الفاسد ؛ و قد كان عليها بالأولى عرض نماذج صالحة و واقع مثالي ليحتذى به) .
ــ و عندما يتم تقديم برنامج وثائقي تحسيسي يتم فيه التباكي على "الأمهات العازبات" و "الأطفال غير الشرعيين" و دعوة الفتيات القاصرات إلى مزيد من اليقظة و الحذر ؛ بعده مباشرة إن لم يكن قبله تعرض المسلسلات و الأفلام التي تستحث في نفوس هؤلاء الفتيات الفكرة الكامنة للبحث عن عشيق يجعل حياتهن كما الأحلام !...
ــ و عندما تتابع القناة الثانية الجولة الملكية بإفريقيا في سنة 2015 المطبوعة على الخصوص بحمولة دينية روحية عميقة وزع خلالها أمير المؤمنين ما لا يحصى من نسخ القرآن الكريم على عدد من المساجد الإفريقية ؛ هذه القناة نفسها و بكل وقاحة تتجرأ على رعايا أمير المؤمنين بعرض سهرة خليعة لمغنية غربية ماجنة تعرض على المغاربة في حرم بيوتهم تفاصيل جسدها في مشاهد جنسية "بورنوغرافية" لا تخطؤها العين !...
ــ و عندما تقدم قناة دوزيم نفسها برنامجا تحسيسيا حول خطر المضافات الغذائية بشهادة متخصصين و خبراء ؛ فإنها (و باقي القنوات) لا تجد أدنى حرج بعدها من تقديم سيل من الإشهارات التي تروج لمواد غذائية مشبعة بالمواد المضافة !...
ــ و عندما تقدم نفس القناة فترة قصيرة من وقتها الطويل للأطفال مع برنامج "دوزيم كيدز" ، و يحذر الآلي الذي يقدم البرنامج الأطفال من مشاهدة المشاهد المثيرة للرعب و يدعوهم إلى تجنبها ..؛ على التو و دون أي فاصل ، يقدم نفس الآلي حلقة جديدة من رسوم متحركة مضمونها ما فيه من شيء ذي معنى غير إثارة الرعب في الأطفال من خلال مشاهد القبور و الجثث و الأشباح و المؤثرات الضوئية و الصوتية المزعجة المخيفة !...
ــ و في نفس الإطار ، لكن هذه المرة في القناة الأولى ، في برنامج "أطفال على بال" ، مع احترامي للمنشط ، فإنه غير ذات قيمة مضافة من الوجهة التربوية التي من المفترض أن يستهدفها : فما هي القيمة المضافة لكي يكون كل ضيوف البرنامج الذين يقدمون كأمثلة يحتذى بها للأطفال محصوررين في أقلية من "فئة الفنانين" ؟!.. أين هي فئات العلماء (في شتى العلوم) ، و المقاولين ، و الأطر (بمختلف مستوياتهم) ، و الحرفيين ، و التجار ، و العمال و الفلاحين ؟!
ــ و عندما تقدم قناة محمد السادس للقرآن الكريم برامج دينية تحث على حسن الخلق و الأوبة إلى الله عز و الاستمساك بحبله المتين و السير على طريقه المستقيم ؛ لا تحس القناتان الأولى و الثانية بأدنى ذرة من الحياء أو الخجل و هي تعرض علينا ليلة كل سبت مشاهد المجون و الانحلال في الشكل و الكلمة و المضمون بدعوى أنها "فنون" !...
خلاصة القول : فإن إعلامنا الموقر على ما يبدو غير ذات رسالة واضحة ، و لا رؤية بعيدة (أو حتى قريبة) المدى مرسومة ، و لا تصور شمولي متوازن و محكم . و أنا بصفتي عاملا في المجال التربوي (أخطر مجال) أحكم من وجهة نظري التربوية بضحالة الإنتاج الإعلامي المغربي سمعيا و بصريا ، و أطالب بتكوين مجلس وطني أعلى للإعلام (على غرار المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي) يحدد له أهدافا و غايات بناءة ،و يضع له رؤية خمسينية مع الرقابة المشددة على شكله و مضمونه لكي لا ينحرف قيد أنملة عما تم تسطيره مما يَجْمَع الأمة و لا يشتتها ، و يقويها و لا يوهنها ، و يدفع بها قدما فلا يؤخرها .
كما أطالب بأن تكون المدرسة في صلب اهتمام هذا المجلس ، بحيث تكون مهمة الإعلام الكبرى خدمة أهداف المدرسة و ليس معاكستها و هدم جهود أطرها .
بل أطالب بأن يكون كل قرار يتخذ و جهد يبذل في مختلف دوائر الدولة و في كل القطاعات يستحضر المدرسة من قريب أو بعيد ، و يجعلها في مركز اهتمامه ...

هذا كله ، لأن المدرسة هي المحضن الذي ينتج لنا مغرب الغد المأمول ، فلنحرص يرحمكم الله على تحصين هذا المحضن و دعم جهوده عل و عسى أن تثمر ما كنا نرجو و نعمل لأجله منذ أكثر من 60 سنة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق